– على الأقلِّ- بأنّ مراد المتكلِّم هو المعنى الظاهر؛ لأنّه أمارة ظنّية كاشفة عن ذلك، فاذا لم تحصل أمارة ظنّية على خلاف ذلك أثّر الظهور فيما يقتضيه، وحصل الظنّ الفعلي بالمراد. وإذا حصلت أمارة ظنّية على الخلاف وقع التزاحم بين الأمارتين، فقد لايحصل حينئذٍ ظنّ فعليّ بإرادة المعنى الظاهر، بل قد يحصل الظنّ على خلاف الظهور تأثّراً بالأمارة الظنّية المزاحمة.
وعلى هذا فقد يستثنى من حجِّية الظهور حالة الظنّ الفعلي بعدم إرادة المعنى الظاهر، بل قد يقال بأنّ حجِّية الظهور أساساً مختصّة بصورة حصول الظنّ الفعلي على وفق الظهور.
ويمكن تبرير هذا القول: بأنّ حجِّية الظهور ليست حكماً تعبّدياً، وإنمّا هي على أساس كاشفية الظهور، فلا معنى لثبوتها في فرض عدم تأثير الظهور في الكشف الظنّي الفعلي على وفقه.
وقد اعترض الأعلام[1] على هذا التفصيل: بأنّ مدرك الحجِّية بناء العقلاء، والعقلاء لا يفرِّقون بين حالات الظنّ بالوفاق وغيرها، بل يعملون بالظهور فيها جميعاً، وهذا يكشف عن الحجِّية المطلقة.
وهذا الاعتراض من الأعلام قد يبدو غير صحيحٍ بمراجعة حال الناس، فإنّا نجد أنّ التاجر لا يعمل بظهور كلام تاجرٍ آخر في تحديد الأسعار، إذا ظنّ بأ نّه لا يريد ما هو ظاهر كلامه، وأنّ المشتري لا يعتمد على ظهور كلام البائع في تحديد وزن السلعة إذا ظنّ بأ نّه يريد غير ما هو ظاهر كلامه، وهكذا.
ومن هنا عمَّق المحقّق النائيني[2] رحمه الله اعتراض الأعلام، إذ ميّز بين العمل
[1] كالشيخ الأنصاري في فرائد الاصول 1: 169، والمحقّق الخراساني في كفايةالاصول: 324.
[2] فوائد الاصول 3: 145- 146.