في الحلقة السابقة[1].
ولا شكّ في أنّ أدلّة حجِّية خبر الثقة والعادل لا تشمل الخبر الحدسيّ المبنيّ على النظر والاستنباط، وإنّما تختصّ بالخبر الحسِّيِّ المستند إلى الإحساس بالمدلول، كالإخبار عن نزول المطر، أو الإحساس بآثاره ولوازمه العرفية، كالإخبار عن العدالة.
وعلى هذا فقول المفتي ليس حجّةً على المفتي الآخر بلحاظ أدلّة حجِّية خبر الثقة؛ لأنّ إخباره بالحكم الشرعيِّ ليس حسّياً، بل حدسياً واجتهادياً. نعم، هو حجّة على مقلّديه بدليل حجِّية قول أهل الخبرة والذكر.
ومن أجل ذلك يقال بأنّ الشخص إذا اكتشف بحدسه واجتهاده قول المعصوم عن طريق اتّفاق عددٍ معيّنٍ من العلماء على الفتوى، فأخبر بقول المعصوم استناداً إلى اتّفاق ذلك العدد لم يكن إخباره حجّةً في إثبات قول المعصوم؛ لأنّه ليس إخباراً حسّياً عنه، وإنّما يكون حجّةً في إثبات اتّفاق ذلك العدد من العلماء على الفتوى- إذا لم يعلم منه التسامح عادةً في مثل ذلك- لأنّ إخباره عن اتّفاق هذا العدد حسّي، فإن كان اتّفاق هذا العدد يكشف في رأينا عن قول المعصوم استكشفناه، وإلّا فلا.
وعلى هذا الأساس نعرف الحال في الإجماعات المنقولة، فإنّه كان يقال عادةً: إنّ نقل الإجماع حجّة في إثبات الحكم الشرعي؛ لأنّه نقل بالمعنى لقول المعصوم وإخبار عنه.
وقد اعترض على ذلك المحقِّقون المتأخِّرون: بأ نّه ليس نقلًا حسّياً لقول المعصوم، بل هو نقل حدسيّ مبنيّ على ما يراه الناقل من كشف اتّفاق الفتاوى
[1] في بحث وسائل الإثبات التعبّدي، تحت عنوان: تحديد دائرة الحجّية.