العمل بخبر العادل ليس مشروطاً بالتبيّن، وهذا بذاته يلائم جواز العمل به بدون تبيّن- وهو معنى الحجّة- ويلائم عدم جواز العمل به حتى مع التبيّن؛ لأنّ الشرطية منتفية في كلتا الحالتين. ولكنّ الثاني غير محتمل؛ لأنّه يجعل خبر العادل أسوأ من خبر الفاسق، ولأ نّه يوجب المنع عن العمل بالدليل القطعي؛ نظراً إلى أنّ الخبر بعد تبيّن صدقه يكون قطعياً، فيتعيّن الأول، وهو المطلوب.
ويوجد اعتراضان مهمّان على الاستدلال بمفهوم الشرط في المقام:
أحدهما: أنّ الشرط في الجملة مسوق لتحقّق الموضوع، وفي مثل ذلك لا يثبت للجملة الشرطية مفهوم.
والتحقيق: أنّ الموضوع والشرط في الجملة الشرطية المذكورة يمكن تصويرهما بأنحاء:
منها: أن يكون الموضوع طبيعيّ النبأ، والشرط مجيء الفاسق به.
ومنها: أن يكون الموضوع نبأ الفاسق، والشرط مجيئه به، فكأ نّه قال: نبأ الفاسق إذا جاءكم به فتبيّنوا.
ومنها: أن يكون الموضوع الجائي بالخبر، والشرط فسقه، فكأ نّه قال:
الجائي بالخبر إذا كان فاسقاً فتبيّنوا.
ولا شكّ في ثبوت المفهوم في النحو الأخير؛ لعدم كون الشرط حينئذٍ محقِّقاً للموضوع. كما لا شكّ في عدم المفهوم في النحو الثاني؛ لأنّ الشرط حينئذٍ هو الاسلوب الوحيد لتحقيق الموضوع.
وأمّا في النحو الأول فالظاهر ثبوت المفهوم وإن كان الشرط محقِّقاً للموضوع؛ لعدم كونه هو الاسلوب الوحيد لتحقيقه، وفي مثل ذلك يثبت المفهوم، كما تقدم توضيحه في مبحث مفهوم الشرط[1].
[1] تحت عنوان: الشرط المسوق لتحقّق الموضوع.