العموم على الكلمة يغنيها عن قرينة الحكمة وتتولّى الأداة نفسها دور تلك القرينة؟
وظاهر كلام صاحب الكفاية رحمه الله[1] أنّ كِلا الوجهين ممكن من الناحية النظرية؛ لأنّ أداة العموم إذا كانت موضوعةً لاستيعاب ما يراد من المدخول تعيّن الوجه الأول؛ لأنّ المراد بالمدخول لا يعرف حينئذٍ من ناحية الأداة، بل من قرينة الحكمة. وإذا كانت موضوعةً لاستيعاب تمام ما يصلح المدخول للانطباق عليه تعيّن الوجه الثاني، لأنّ مفاد المدخول صالح ذاتاً للانطباق على تمام الأفراد، فيتمّ تطبيقه عليها فعلًا بتوسّط الأداة مباشرة. وقد استظهر- بحقٍّ- الوجه الثاني.
وقد يبرهن على إبطال الوجه الأوّل ببرهانين:
البرهان الأول[2]: لزوم اللَغوية منه، كما تقدّم توضيحه في الحلقة السابقة[3].
ولكنّ التحقيق عدم تمامية هذا البرهان؛ لعدم لزوم لَغويّة وضع الأداة للعموم من قبل الواضع، ولا لَغويّة استعمالها في مقام التفهيم من قبل المتكلّم؛ وذلك لأنّ العموم والإطلاق ليس مفادهما مفهوماً وتصوراً شيئاً واحداً، فإنّ أداة العموم مفادها الاستيعاب وإراءة الأفراد في مرحلة مدلول الخطاب، وأمّا قرينة الحكمة فلا تفيد الاستيعاب، ولا تُري الأفراد في مرحلة مدلول الخطاب، بل تفيد نفي الخصوصيات ولحاظ الطبيعة مجرّدةً عنها، فالتكثّر ملحوظ في العموم، بينما الملحوظ في الإطلاق ذات الطبيعة، وهذا يكفي لتصحيح الوضع حتّى لو لم ينتهِ إلى نتيجةٍ عمليةٍ بالنسبة إلى الحكم الشرعي؛ لأنّ الفائدة المترقَّبة من الوضع إنّما هي إفادة المعاني المختلفة. وكذلك يكفي لتصحيح الاستعمال، إذ قد يتعلّق غرض
[1] كفاية الاصول: 254.
[2] جاء هذا البرهان في المحاضرات 5: 159.
[3] في بحث العموم، تحت عنوان: أدوات العموم ونحو دلالتها.