ويعترض على ذلك: بأنّ قرينة الحكمة واحدة، فكيف تنتج تارةً الإطلاق الشمولي، واخرى الإطلاق البدلي؟
وقد اجيب على هذا الاعتراض بعدّة وجوه:
الأول: ما ذكره السيّد الاستاذ[1] من أنّ قرينة الحكمة لا تثبت إلّاالإطلاق بمعنى [عدم] القيد، وأمّا البدليّة والاستغراقية فيثبت كلّ منهما بقرينةٍ إضافية.
فالبدلية في الإطلاق في متعلّق الأمر- مثلًا- تثبت بقرينةٍ إضافية، وهي: أنّ الشمولية غير معقولة؛ لأنّ إيجاد جميع أفراد الطبيعة غير مقدورٍ للمكلّف عادةً.
والشمولية في الإطلاق في متعلّق النهي- مثلًا- تثبت بقرينةٍ إضافية، وهي: أنّ البدليّة غير معقولة؛ لأنّ ترك أحد أفراد الطبيعة على البدل ثابت بدون حاجةٍ إلى النهي.
ولا يصلح هذا الجواب لحلّ المشكلة، إذ توجد حالات يمكن فيها الإطلاق الشموليّ والبدليّ معاً، ومع هذا يُعيَّن الشموليّ بقرينة الحكمة، كما في كلمة (عالم) في قولنا: (أكرم العالم)، فلابدّ إذن من أساسٍ لتعيين الشمولية أو البدلية غير مجرّد كون بديله مستحيلًا.
الثاني: ما ذكره المحقّق العراقي[2] رحمه الله من أنّ الأصل في قرينة الحكمة إنتاج الإطلاق البدلي، والشمولية عناية إضافية بحاجةٍ إلى قرينة؛ وذلك لأنّ هذه القرينة تثبت أنّ موضوع الحكم ذات الطبيعة بدون قيد، والطبيعة بدون قيدٍ تنطبق
[1] محاضرات في اصول الفقه 4: 106- 110.
[2] كلماته رحمه الله في هذه المسألة مشوّشة للغاية، ولعلّ أقرب ما ورد فيها إلى ما نسب إليه فيالمتن ما جاء في مقالات الاصول 1: 501، ولكنّه لم يتبنّاه بل ردّه ببيانٍ له، وتمسّك بفكرة اخرى في هذه المسألة، فراجع.