في نفسها لا ينبغي الارتياب في دلالتها عرفاً على نجاسة الميتة التي لاقت الماء، كما يدلّ الأمر بالغسل على نجاسة ملاقي المغسول.
ولا يصغى إلى ما قد يقال من أنّ النزح الذي هو مجرّد تقليلٍ من الماء المتنجّس لا يكون تطهيراً كالغسل كي يرشد إلى نجاسة الملاقي، فإنّا قد أوضحنا في أبحاث ماء البئر: أنّ نزح البئر غير تقليل الماء، بل هو نوع تطهيرٍ للبئر بحسب النظر العرفي؛ لأنّ البئر لا يكون مجرّد مستودعٍ للماء، وإنّما هو منبع له بحيث كلّما نزح منه نبع فيه الماء النقي ثانياً، فيكون بهذا الاعتبار تنظيفاً.
غير أنّ الإشكال على الاستدلال بهذه الطائفة من الروايات معارضتها بما دلّ على اعتصام البئر من الروايات التي استعرضناها في أبحاث ماء البئر.
وهذه المعارضة إن فرض استحكامها بدرجةٍ تؤدّي إلى سقوط روايات النزح عن الحجّية سنداً- إمّا وحدها لمرجّحٍ في أخبار الاعتصام، أو معها- فلا إشكال حينئذٍ في عدم إمكان الاستدلال بها في المقام على نجاسة الميتة.
وإن فرض عدم سريان التعارض إلى سندها، بل غاية ما يلزم سقوط ظهور الأمر بالنزح فيها، وحمله على التنزه والاستحباب فينفتح حينذاك بحث في المقام عن إمكان الاستدلال بها على نجاسة الميتة، وعدمه.
وتفصيل الكلام في ذلك: أنّ هناك وجوهاً ثلاثةً لتقريب دلالتها على نجاسة الميتة بعد سقوط دلالتها على نجاسة ماء البئر:
الوجه الأوّل: دعوى كفاية الأمر بنزح ماء البئر- ولو تنزّهاً- في الإرشاد إلى وجود محذور النجاسة في الملاقي، وأنّ النزح المذكور كان بملاكه وإن كان الماء معتصماً ممّا أدّى إلى عدم لزوم النزح.