لكنّ المختار في تصوير حجّية الخبر مع الواسطة هو: أنّ الناقل المباشر عن الإمام عليه السلام ينقل حكماً واقعياً، ونقله له موضوع لحكمٍ ظاهريٍّ منجّزٍ للواقع، وهو الحجّية، فالناقل عنه ناقل لموضوع ذلك الحكم الظاهري، وهذا النقل الجديد يشمله دليل الحجّية بهذا اللحاظ، ويكون بنفسه موضوعاً لحكمٍ ظاهريٍّ منجّزٍ لذلك الحكم الظاهريّ المنجِّز للواقع، وهكذا … إلى أن نصل إلى الناقل المباشر لنا، الذي يكون نقله موضوعاً لحكمٍ ظاهريٍّ عاشريٍّ- مثلًا- ويكون حجّة؛ لأنّه نقل موضوع حكم الشارع، فيثبت ذلك الحكم.
وبناءً على هذا التصوّر يقع التعارض لا محالة بين خبر التهذيب وخبر البحار، وخبر الوسائل والوافي في عرضٍ واحد، ويسقط الكلّ. فإنّ نقل التهذيب موضوع لحكمٍ ظاهريٍّ ينجِّز الحرمة عند النشيش، ونقل البحار موضوع لحكمٍ ظاهريٍّ يعذِّر عن الحرمة عند النشيش، فلا محالة يتعارضان ويتساقطان، غاية الأمر أنّ نقل البحار له معارض آخر، وهو نقل الوسائل والوافي، فيسقط الكلّ في عرضٍ واحد.
الثالث: أن يقال: إنّ هذه الرواية في نفسها متهافتة معنىً، فلا ينبغي التعويل عليها وجعلها طرفاً للمعارضة مع الروايات الاخرى، أو تقديمها عليها، إذ لا يتحصّل منها معنىً معلوم، فلابدّ من تأويلها، ومعه لا يعلم المعنى المقصود حتّى نتمسّك به.
والوجه في ذلك: هو أنّ عطف الغليان على النشيش ب «أو» لا يناسب الواقع؛ لأنّ الغليان متأخّر عن النشيش دائماً، وهذا بخلاف عطفه عليه بالواو، إذ قد يكون الأثر مترتّباً على مرتبةٍ، غير أنّ بعض المراتب السابقة تذكر مقدمةً على سبيل التمهيد والترقّي.
وقد يجاب: بأنّ النسبة بين النشيش والغليان عموم من وجه؛ لإمكان