المخالفة، وهذا يكشف عن عدم كون الإجماع الذي ذكره المحقّق مفيداً لليقين بالنسبة إليهما، فإذا لم يفدهما ذلك مع قرب عهدهما بمدّعيه فكيف يفيدنا؟!
ورابعاً: أنّ السيّد المرتضى قدس سره في كتاب الانتصار[1] المعَدّ لنقل موارد الخلاف بين الشيعة والسنّة لم يذكر العصير العنبي، وذكر الفقّاع وغيره، مع أنّ أحداً من فقهاء السنّة في ما لاحظنا لم يقل بحرمة العصير العنبيّ المغلي.
وهذه الموهنات تؤدّي إلى عدم الجزم بالحرمة الواقعية، ولكنّها لا تسقط الإجماع المذكور عن الصلاحية للإلزام بالاحتياط.
أمّا كونه إجماعاً منقولًا فواضح أنّ الإجماع المنقول في بعض الموارد قد يوجب ثبوت المطلب فيما إذا انضمّت إليه خصوصيّات وقرائن تعزّزه. فإذا كان الناقل مثل المحقّق في سعة اطّلاعه، مع وضوح عبارته، وقيام القرينة فيها على عدم المسامحة، وغضّ النظر عن الخلافات الجزئية، واضيف إلى ذلك التتبّع من الخارج، وعدم وجدان فقيهٍ قبل المحقّق يتراءى منه القول بالحلّية، ولا وجدان كلامٍ يدلّ على نقل الخلاف ففي ذلك كلّه مايعزّز الإجماع المنقول.
وأمّا احتمال المدركيّة فإذا فرضنا أنّ الفقهاء قبل المحقّق قد أجمعوا على فهم الحرمة المطلقة من روايات الباب فهذا بنفسه شاهد قويّ على أنّ سلفهم من أصحاب الأئمّة عليهم السلام لم يكونوا قد فهموا من الأئمّة عليهم السلام إناطة حرمة العصير المغليّ بالإسكار، وإلّا لأصبحت الحلّية بعد ذلك من الواضحات؛ لأنّ المسألة- على ما يبدو من الروايات- كانت واسعة الانتشار، وكانت الأنبذة وأقسام العصير محلّ ابتلاء العموم بدرجةٍ كبيرة.
وكلّ مسألةٍ بهذه الدرجة من ابتلاء الناس بها، واهتمامهم بالتعرّف على
[1] الانتصار: 418