وهذه الرواية أوضح من الرواية السابقة في النظر إلى الحكم الواقعيّ ابتداءً بنحوٍ تعدّ من إحدى الطائفتين المتعارضتين، وهي ضعيفة السند بسهل.
والتقريب الآخر للجمع العرفيّ: هو حمل أخبار النجاسة على التنزّه؛ لصراحة أخبار الطهارة في نفي النجاسة اللزومية، فيرفع اليد عن الظاهر بقرينة الصريح، وينتج حينئذٍ عكس ما أنتجه التقريب السابق للجمع العرفيّ.
وقد تقدّم منّا مراراً: أنّ مجرّد كون أحد المتعارضين صريحاً بنحوٍ لا يقبل التأويل- بخلاف الآخر- لا يكفي للجمع العرفي، بل لابدّ من فارقٍ معتدٍّ به بين فحوى الدلالة على وجهٍ لا يتحيّر العرف في مقام فهم المراد من مجموعهما.
وسوف نشير- في ما يأتي- إلى أنّ في بعض روايات النجاسة من الظهور ما لا يصلح صريح أخبار الطهارة للقرينية عليه في النظر العرفي، وإن أمكن التأويل عقلًا، خصوصاً أنّ نفس استفاضة أحد المضمونين ووروده بكثرةٍ قد لا يساعد عرفاً على حمل كل ذلك على مجرّد التنزّه والاستحباب.
الموقف الثالث:- بعد فرض حجّية كلٍّ من الطائفتين في نفسها وتعذّر الجمع العرفيّ- يدّعى تقديم أخبار النجاسة، بحمل أخبار الطهارة على التقية، إعمالًا للمرجِّح العلاجيّ في مقام التعارض.
والتقية تُدَّعى بأحد وجهين:
أوّلهما: أنّ أخبار الطهارة موافقة لمذهب بعض العامّة، كما أشار[1] الشيخ الطوسيّ قدس سره.
والتحقيق: أنّ المشهور في الفقه السنّيّ بمختلف مذاهبه هو الحكم بالنجاسة، حتّى ذكر السيّد المرتضى قدس سره: «أ نّه لا خلاف بين المسلمين في نجاسة
[1] راجع الصفحة 436