لا مبرّر لها. والتأريخ يبرز هذه الحقيقة دائماً، فقد كفر السفسطائيون الأغريق بالآلهة على أساسٍ من الشكّ السفسطي، فرفضوا القيود الخلقية وتمرّدوا عليها، وأعاد الإنسان الغربي القصّة من جديدٍ حين التَهَم الشكّ الحديث عقيدته الدينية، فثار على كلّ مقرّرات السلوك والاعتبارات الخلقية، وأصبحت هذه المقرّرات والسلوك مرتبطةً في نظره بمرحلةٍ غابرةٍ من تأريخ الإنسانية. وانطلق الإنسان الغربي كما يحلو له يتصرّف وفقاً لهواه، ويملأ رئتيه بالهواء الطلق الذي احتلّ الشكّ الحديث فيه موضع القيم والقواعد حين كانت تقيِّد الإنسان في سلوكه الداخلي وتصرّفاته.
ومن هنا ولدت فكرة الحرّية الفكرية والحرّية الشخصية، فقد جاءت فكرة الحرّية الفكرية نتيجةً للشكّ الثوري والقلق العقلي الذي عصف بكلّ المسلَّمات الفكرية، فلم تعد هناك حقائق عليا لا يُباح إنكارها ما دام الشكّ يمتدّ الى كلّ المجالات.
وجاءت فكرة الحرّية الشخصية تعبيراً عن النتائج السلبية التي انتهى‏ اليها الشكّ الحديث في معركته الفكرية مع الإيمان والأخلاق، فقد كان طبيعياً للإنسان الذي انتصر على إيمانه وأخلاقه أن يؤمن بحرّيته الشخصية، ويرفض أيّ قوةٍ تحدِّد سلوكه وتملك إرادته.
بهذا التسلسل انتهى‏ الإنسان الحديث من الشكّ الى الحرّية الفكرية، وبالتالي الى الحرّية الشخصية.
وهنا جاء دور الحرّية الاقتصادية لتشكِّل حلقةً جديدةً من هذا التسلسل الحضاري، فإنّ الإنسان الحديث بعد أن آمن بحرّيته الشخصية وبدأ يضع أهدافه وقيمه على هذا الأساس، وبعد أن كفر عملياً بالنظرة الدينية الى الحياة والكون وصلتها الروحية بالخالق وما ينتظر الإنسان من ثوابٍ وعقابٍ عادت الحياة في‏