المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد:

كلّ إنسانٍ منّا يواجه لَونين من السؤال في حياته الاعتيادية ويدرك الفرق بينهما. فحين نريد أن نسأل الأب عن سلوك ابنه- مثلًا- قد نسأله كيف ينبغي أن يسلك ابنك في الحياة؟ وقد نسأله كيف يسلك ابنك فعلًا في حياته؟
وحين نوجّه السؤال الأول الى الأب ونقول له: كيف ينبغي أن يسلك ابنك في الحياة؟ يستوحي الأب جوابه من القيم والمثل والأهداف التي يقدِّسها ويتبنّاها في الحياة. فيقول مثلًا: ينبغي أن يكون ولدي شجاعاً جريئاً طموحاً، أو يقول: ينبغي أن يكون مؤمناً بربّه، واثقاً من نفسه، مضحّياً في سبيل الخير والعقيدة.
وأمّا حين نوجّه السؤال الثاني للأب، ونقول له: كيف يسلك ابنك فعلًا في حياته؟ فهو لا يرجع الى قيمه ومُثله ليستوحي منها الجواب. وإنّما يجيب على هذا السؤال في ضوء اطّلاعاته عن سلوك ابنه وملاحظاته المتعاقبة له. فقد يقول:
هو فعلًا مؤمن واثق شجاع. وقد يقول: إنّه يسلك سلوكاً متميّعاً، ويتاجر بإيمانه، ويجبن عن مواجهة مشاكل الحياة.
فالأب يستمدّ جوابه على السؤال الأول من قيمه ومثله التي يؤمن بها.
ويستمدّ جوابه على‏ السؤال الثاني من ملاحظاته وتجربته لابنه في معترك الحياة.
ويمكننا أن نستخدم هذا المثال لتوضيح الفرق بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد. فإنّنا في الحياة الاقتصادية نواجه سؤالين متميّزين، كالسؤالين اللذين واجههما الأب عن سلوك ابنه، فتارةً نسأل: كيف ينبغي أن تجري الأحداث فعلًا في الحياة الاقتصادية؟ واخرى نسأل: كيف تجري الأحداث فعلًا في الحياة الاقتصادية.