عوامل اخرى قد لا تتوفّر بالرغم من معرفة صلاحه وجدارته؟
وترتبط هذه النقاط التي أثرناها الآن الى حدٍّ كبيرٍ بالمفهوم العامّ عن المجتمع والكون، ولذلك تختلف طريقة معالجتها من قبل الباحثين تبعاً لاختلاف مفاهيمهم العامّة عن ذلك. ولنبدأ بالماركسيّة.
رأي الماركسيّة:
ترى الماركسيّة أنّ الإنسان يتكيِّف روحياً وفكرياً وفقاً لطريقة الإنتاج ونوعية القوى المنتجة، فهو بصورةٍ مستقلّةٍ عنها لا يمكنه أن يفكّر تفكيراً اجتماعياً، أو أن يعرف ما هو النظام الأصلح؟ وإنما القوى المنتجة هي التي تُملي عليه هذه المعرفة، وتُتيح له الجواب على السؤال الأساسي الذي طرحناه في فاتحة الحديث، وهو بدوره يردِّد صداها بدقّةٍ وأمانة. فالطاحونة الهوائية- مثلًا- تبعث في الإنسانية الشعور بأنّ النظام الإقطاعي هو النظام الأصلح، والطاحونة البخارية التي خلّفتها تلقِّن الإنسان أنّ النظام الرأسمالي هو الأجدر بالتطبيق، ووسائل الإنتاج الكهربائية والذرّية اليوم تعطي المجتمع مضموناً فكرياً جديداً يؤمن بأنّ الأصلح هو النظام الاشتراكي.
فقدرة الإنسانية على إدراك النظام الأصلح هي تماماً قدرتها على ترجمة المدلول الاجتماعي للقوى المنتجة وترديد صداها.
وأمّا الضمانات التي تكفل للإنسانية صوابها وصحة إدراكها ونجاحها في تصورها للنظام الأصلح فهي تتمثّل في حركة التأريخ السائرة إلى الأمام دوماً.
فما دام التأريخ في رأي الماركسية يتسلّق الهرم ويزحف بصورةٍ تصاعديةٍ دائماً فلابدّ أن يكون الإدراك الاجتماعي الجديد للنظام الأصلح هو الإدراك الصحيح.
وأمّا الإدراك التقليدي القديم فهو خاطئ ما دام قد تكوَّن إدراك اجتماعي أحدث