إيمانٍ مذهبيٍّ بالحرّية. وهي تعبير عن إيمان الإنسان الغربي بسيطرته على نفسه وامتلاكه لإرادته بعد أن رفض خضوعه لكلّ قوة. فلا تعني الحرّية في الديمقراطية الرأسمالية رفض سيطرة الآخرين فحسب، بل تعني أكثر من هذا، سيطرة الإنسان على نفسه وانقطاع صلته عملياً بخالقه وآخرته.

[موقف الإسلام من الحرّية:]

وأمّا الإسلام فموقفه من الحرّية يختلف بصورةٍ أساسية عن موقف الحضارة الغربية، فهو يعني بالحرّية بمدلولها السلبي، أو بالأحرى: معطاها الثوري الذي يحرّر الإنسان من سيطرة الآخرين ويكسر القيود والأغلال التي تكبِّل يديه. ويعتبر تحقيق هذا المدلول السلبي للحرّية هدفاً من الأهداف الكبرى للرسالة السماوية بالذات‏ «وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ»[1].

ولكنّه لا يربط بين هذا وبين مدلولها الإيجابي في مفاهيم الحضارة الغربية؛ لأ نّه لا يعتبر حقَّ الإنسان في التحرّر من سيطرة الآخرين والوقوف معهم على صعيدٍ واحدٍ نتيجةً لسيطرة الإنسان على نفسه، وحقّه في تقرير سلوكه ومنهجه في الحياة- الأمر الذي نطلق عليه: المدلول الإيجابي للحرّية في مفهوم الحضارة الغربية- وإنّما يربط بين الحرّية والتحرّر من كلّ الأصنام والقيود المصطنعة وبين العبودية المخلصة للَّه. فالإنسان عبدٌ للَّه‏قبل كلّ شي‏ء، وهو بوصفه عبداً للَّه لا يمكن أن يقرَّ سيطرةً لسواه عليه، أو يخضع لعلاقةٍ صنميةٍ مهما كان لونها وشكلها، بل إنّه يقف على صعيد العبودية المخلصة للَّه‏مع المجموعة الكونية كلّها

 

[1] الأعراف: 156