ذلك عدّة من التعديلات، غير أ نّها لم تمسَّ جوهرها بالصميم، بل بقيت محتفظةً بأهمِّ ركائزها واسسها.

الاتّجاه المادّي في الرأسمالية:

ومن الواضح أنّ هذا النظام الاجتماعي نظام مادّي خالص؛ أخذ فيه الإنسان منفصلًا عن مبدئه وآخرته، محدوداً بالجانب النفعي من حياته المادية، وافترض على هذا الشكل. ولكنّ هذا النظام في نفس الوقت الذي كان مشبعاً بالروح المادية الطاغية لم يُبنَ على فلسفةٍ ماديةٍ للحياة وعلى دراسةٍ مفصّلة لها.

فالحياة في الجوّ الاجتماعي لهذا النظام فُصِلت عن كلِّ علاقةٍ خارجةٍ عن حدود المادية والمنفعة، ولكن لم يُهيَّأ لإقامة هذا النظام فهم فلسفيّ كامل لعملية الفصل هذه. ولا أعني بذلك أنّ العالم لم يكن فيه مدارس للفلسفة المادية وأنصار لها، بل كان فيه إقبال على النزعة المادية؛ تأثّراً بالعقلية التجريبية التي شاعت منذ بداية الانقلاب الصناعي‏[1]، وبروح الشكّ والتبلبل الفكري الذي أحدثه انقلاب الرأي‏

 

[1] فإنّ التجربة اكتسبت أهمّيةً كبرى في الميدان العلمي، ووفّقت توفيقاً لم يكن في الحسبان الى الكشف عن حقائق كثيرة، وإزاحة الستار عن أسرار مدهشةٍ أتاحت للإنسانية أن تستثمر تلك الأسرار والحقائق في حياتها العملية. وهذا التوفيق الذي حصلت عليه التجربة أشاد لها قدسية في العقلية العامة، وجعل الناس ينصرفون عن الأفكار العقلية، وعن كلّ الحقائق التي لا تظهر في ميدان الحسّ والتجربة، حتى صار الحسّ التجريبي في عقيدة كثيرٍ من التجريبيّين الأساس الوحيد لجميع المعارف والعلوم. وقد أوضحنا في« فلسفتنا: المصدر الأساسي للمذهب التجريبي»: أنّ التجربة بنفسها تعتمد على الفكر العقلي، وأنّ الأساس الأول للعلوم والمعارف هو العقل؛ الذي يدرك حقائقَ لا يقع عليها الحسّ كما يدرك الحقائق المحسوسة.( المؤلف قدس سره)