فالفكرة العلمية تدور حول اكتشاف الواقع كما يجري، والتعرّف على أسبابه ونتائجه وروابطه. فهي بمثابة منظارٍ علميٍّ للحياة الاقتصادية، فكما أنّ الشخص حين يضع منظاراً على عينيه يستهدف رؤية الواقع دون أن يضيف اليه أو يغيِّر شيئاً، كذلك التفكير العلمي يقوم بدور منظارٍ للحياة الاقتصادية، فيعكس قوانينها وروابطها. فالطابع العام للفكرة العلمية هو الاكتشاف.
وأمّا الفكرة المذهبية فهي ليست منظاراً للواقع، بل هي تقدير خاصّ للموقف على ضوء تصوراتٍ عامّةٍ للعدالة. فالعلم يقول: هذا هو الذي يجري في الواقع. والمذهب يقول: هذا هو الذي ينبغي أن يجري في الواقع.
علم الاقتصاد والمذهب كالتأريخ والأخلاق:
وهذا الفرق الذي تبيّنّاه بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي- بين البحث عمّا هو كائن والبحث عمّا ينبغي أن يكون- يمكننا أن نجد نظيره بين علم التأريخ والبحوث الأخلاقية، فإنّ علم التأريخ يتّفق مع علم الاقتصاد في خطّه العلمي العام. والبحوث الأخلاقية كالمذهب الاقتصادي في التقويم والتقدير.
والناس يتّفقون عادةً على التفرقة بين علم التأريخ والبحوث الأخلاقية.
فهم يعرفون أنّ علماء التأريخ يحدّثونهم- مثلًا- عن الأسباب التي أدّت الى سقوط الامبراطورية الرومانية في أيدي الجرمان، والعوامل التي دعت الى شنّ الحملات الصليبية على فلسطين وفشلها جميعاً، والظروف التي ساعدت على اغتيال قيصر وهو في قمّة انتصاره ومجده، أو على قتل عثمان بن عفّان والثورة عليه.
كلّ هذه الأحداث يدرسها علم التأريخ، ويكتشف أسبابها وروابطها، مع