الحرّية العملية للفرد حدّاً إلّاحرّيات الأفراد الآخرين؛ لأنّ الإسلام يهتمّ قبل كلّ شيءٍ- كما عرفنا- بتحرير الفرد من عبودية الشهوات والأصنام، ويسمح له بالتصرّف كما يشاء على أن لا يخرج عن حدود اللَّه. فالقرآن يقول: «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً»[1]. «وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ»[2]. وبذلك يضع الكون بأسره تحت تصرّف الإنسان وحرّيته، ولكنّها حرّية محدودة بالحدود التي تجعلها تتّفق مع تحرّره الداخلي من عبودية الشهوة، وتحرّره الخارجي من عبودية الأصنام.
وأمّا الحرّية العملية في عبادة الشهوة والالتصاق بالأرض ومعانيها، والتخلّي عن الحرّية الإنسانية بمعناها الحقيقي، وأمّا الحرية العملية في السكوت عن الظلم والتنازل عن الحقّ، وعبادة الأصنام البشرية والتقرّب اليها، والانسياق وراء مصالحها، والتخلّي عن الرسالة الحقيقية الكبرى للإنسان في الحياة فهذا ما لا يأذن به الإسلام؛ لأنّه تحطيم لأعمق معاني الحرّية في الإنسان، ولأنّ الإسلام لا يفهم من الحرّية إيجاد منطلقٍ للمعاني الحيوانية في الإنسان، وإنّما يفهمها بوصفها جزءاً من برنامجٍ فكريٍّ وروحيٍّ كاملٍ يجب أن تقوم على أساسه الإنسانية.
[المدلول الغربي للحرّية السياسية:]
ونحن حين نبرز هذا الوجه التحريري الثوري للإسلام في النطاق الاجتماعي لا نعني بذلك أ نّه على وفاقٍ مع الحرّيات الاجتماعية الديمقراطية في
[1] البقرة: 39
[2] ا لجاثية: 13