ينصب نفسه صنماً للآخرين.
ومرّةً اخرى نجد أنّ المعركة القرآنية الثانية من معارك التحرير قد استُعين فيها بنفس الطريقة التي استعملت في المعركة الاولى (معركة الإنسانية داخلياً من الشهوات)، وتستعمل دائماً في كلّ ملاحم الإسلام، وهي: التوحيد. فما دام الإنسان يقرّ بالعبودية للَّهوحده فهو يرفض بطبيعة الحال كلّ صنمٍ وكل تأليهٍ مزوّرٍ لأيِّ إنسانٍ وكائن، ويرفع رأسه حرّاً أبيّاً ولا يستشعر ذلّ العبودية والهوان أمام أيِّ قوةٍ من قُوى الأرض أو صنمٍ من أصنامها؛ لأنّ ظاهرة الصنمية في حياة الإنسان نشأت عن سببين:
أحدهما: عبوديته للشهوة التي تجعله يتنازل عن حرّيته إلى الصنم الإنساني، الذي يقدر على إشباع تلك الشهوة وضمانها له.
والآخر: جهله بما وراء تلك الأقنعة الصنمية المتألّهة من نقاط الضعف والعجز.
والإسلام حرّر الإنسان من عبودية الشهوة كما عرفنا آنفاً، وزيّف تلك الأقنعة الصنمية الخادعة «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ»[1]. فكان طبيعياً أن ينتصر على الصنمية، ويمحو من عقول المسلمين عبودية الأصنام بمختلف أشكالها وألوانها.
وعلى ضوء الاسس التي يقوم عليها تحرير الإنسان من عبوديات الشهوة في النطاق الشخصي، وتحريره من عبودية الأصنام في النطاق الاجتماعي- سواءً كان الصنم امّةً أم فئةً أم فرداً- نستطيع أن نعرف مجال السلوك العملي للفرد في الإسلام، فإنّ الإسلام يختلف عن الحضارات الغربية الحديثة التي لا تضع لهذه
[1] الأعراف: 194