نظره فرصةً للظفر بأكبر نصيبٍ ممكنٍ من اللذّة والمتعة المادية التي لا يمكن أن تحصل إلّاعن طريق المال.
وهكذا عاد المال المفتاح السحري والهدف الذي يعمل لأجله الإنسان الحديث الذي يتمتّع بالحرّية الكاملة في سلوكه. وكان ضرورياً لأجل ذلك أن توطّد دعائم الحرّية الاقتصادية، وتفتح كلّ المجالات بين يدي هذا الكائن الحرّ للعمل في سبيل هذا الهدف الجديد (المال) الذي أقامته الحضارة الغربية صنماً جديداً للإنسانية. وأصبحت كلّ تضحيةٍ يقدِّمها الإنسان في هذا المضمار عملًا شريفاً وقرباناً مقبولًا، وطغى‏ الدافع الاقتصادي كلّما ابتعد ركب الحضارة الحديثة عن المقولات الروحية والفكرية التي رفضها في بداية الطريق، واستفحلت شهوة المال، فأصبح سيد الموقف، واختفت مفاهيم الخير والفضيلة والدين؛ حتّى خيِّل للماركسية في أزمةٍ من أزمات الحضارة الغربية أنّ الدافع الاقتصادي هو المحرّك الذي يوجّه تأريخ الإنسان في كلّ العصور.
ولم يكن من الممكن أن تنفصل فكرة الحرّية الاقتصادية عن فكرةٍ اخرى، وهي فكرة الحرّية السياسية؛ لأنّ الشرط الضروري لممارسة النشاط الحرّ على المسرح الاقتصادي إزاحة العقبات السياسية والتغلّب على الصعاب التي تضعها السلطة الحاكمة أمامه، وذلك بامتلاك أداة الحكم وتأميمها؛ ليطمئنّ الفرد إلى عدم وجود قوةٍ تحول بينه وبين مكاسبه وأهدافه التي يسعى اليها.
وبذلك اكتملت المعالم الرئيسية أو الحلقات الأساسية التي أ لّف الإنسان الغربي منها حضارته، وعمل مخلصاً لإقامة حياته على أساسها، وتبنّى‏ دعوة العالم اليها.
وعلى هذا الضوء تتبيّن الحرّية في هذه الحضارة بملامحها التي ألمعنا اليها في مستهلّ هذا الفصل، فهي ظاهرة حضارية بدأت شكّاً مرّاً قلقاً، وانتهت إلى‏