فظيع؟! وماذا يُجديه أن يناقش ويعترض وهو أحوج إلى التغذية الصحيحة والحياة المكفولة منه إلى الاحتجاج والضجيج الذي تنتجه له الحرّية؟!
وهؤلاء المتسائلون لم يكونوا ينظرون إلّاإلى الديمقراطية الرأسمالية كأ نّها القضية الاجتماعية الوحيدة التي تنافس قضيتهم في الميدان، فانتقصوا من قيمة الكرامة الفردية وحقوقها؛ لأنّهم رأوا فيها خطراً على التيّار الاجتماعي العام …
ولكن من حقّ الإنسانية أن لا تضحّي بشيءٍ من مقوّماتها وحقوقها ما دامت غير مضطرّةٍ إلى ذلك، وأ نّها إنّما تقف موقف التخيير: بين كرامةٍ هي من الحقّ المعنوي للإنسانية، وبين حاجةٍ هي من الحقّ المادي لها إذا أعوزها النظام الذي يجمع بين الناحيتين ويوفّق الى حلّ المشكلتين.
إنّ إنساناً يعتصر الآخرون طاقاته، ولا يطمئن إلى حياةٍ طيّبةٍ وأجرٍ عادلٍ وتأمينٍ في أوقات الحاجة لهو إنسان قد حُرِم من التمتّع بالحياة، وحيل بينه وبين الحياة الهادئة المستقرّة، كما أنّ إنساناً يعيش مهدَّداً في كلّ لحظة، محاسباً على كلّ حركة، معرَّضاً للاعتقال بدون محاكمة، وللسجن والنفي والقتل لأدنى بادرةٍ لهو إنسان مروَّع مرعوب، يسلبه الخوف حلاوة العيش، وينغِّص الرعب عليه ملاذّ الحياة.
والإنسان الثالث المطمئنّ إلى معيشته، الواثق بكرامته وسلامته هو حلم الإنسانية العذب، فكيف يتحقق هذا الحلم؟ ومتى يصبح حقيقةً واقعة؟
وقد قلنا: إنّ العلاج الشيوعي للمشكلة الاجتماعية ناقص، مضافاً إلى ما أشرنا اليه من مضاعفات، فهو وإن كان تتمثّل فيه عواطف ومشاعر إنسانية آثارها الطغيان الاجتماعي العام، فأهاب بجملةٍ من المفكّرين إلى الحَلّ الجديد غير أ نّهم لم يضعوا أيديهم على سبب الفساد ليقضوا عليه، وإنّما قضوا على شيءٍ آخر، فلم يوفَّقوا في العلاج ولم ينجحوا في التطبيب.