إنّ مبدأ الملكية الخاصّة ليس هو الذي نشأت عنه آثام الرأسمالية المطلقة التي زعزعت سعادة العالم وهناءه، فلا هو الذي يفرض تعطيل الملايين من العمّال في سبيل استثمار آلةٍ جديدةٍ تقضي على صناعاتهم، كما حدث في فجر الانقلاب الصناعي. ولا هو الذي يفرض التحكّم في اجور الأجير وجهوده بلا حساب، ولا هو الذي يفرض على الرأسمالي أن يتلف كميّاتٍ كبيرةٍ من منتوجاته تحفظّاً على ثمن السلعة وتفضيلًا للتبذير على توفير حاجات الفقراء بها، ولا هو الذي يدعوه الى جعل ثروته رأس مال كاسبٍ يضاعفه بالربا وامتصاص جهود المَدِينين بلا إنتاجٍ ولا عمل، ولا هو الذي يدفعه الى شراء جميع البضائع الاستهلاكية من الأسواق ليحتكرها ويرفع بذلك من أثمانها، ولا هو الذي يفرض عليه فتح أسواقٍ جديدةٍ وإن انتهكت بذلك حرّيات الامم وحقوقها وضاعت كرامتها وحرّيتها …
كلّ هذه المآسي المروِّعة لم تنشأ من الملكية الخاصّة، وإنّما هي وليدة المصلحة المادية الشخصية التي جعلت مقياساً للحياة في النظام الرأسمالي، والمبرّر المطلق لجميع التصرّفات والمعاملات. فالمجتمع حين تقام اسسه على هذا المقياس الفردي والمبرّر الذاتي لا يمكن أن ينتظر منه غير ما وقع، فإنّ من طبيعة هذا المقياس تنبثق تلك اللعنات والويلات على الإنسانية كلّها، لا من مبدأ الملكية الخاصّة، فلو ابدل المقياس ووضعت للحياة غاية جديدة مهذّبة تنسجم مع طبيعة الإنسان لَتَحقَّق بذلك العلاج الحقيقي للمشكلة الإنسانية الكبرى.