نعم، لو أخذ الإنسان المادي يفكّر تفكيراً اجتماعياً، ويعقل مصالحه بعقليةٍ جماعية، وذابت من نفسه جميع العواطف الخاصّة والأهواء الذاتية والانبعاثات النفسية لأمكن أن يقوم نظام يذوب فيه الأفراد، ولا يبقى في الميدان إلّاالعملاق الاجتماعي الكبير. ولكنّ تحقيق ذلك في الإنسان المادي الذي لا يؤمن إلّابحياةٍ محدودةٍ ولا يعرف معنىً لها إلّااللذّة المادية يحتاج الى معجزةٍ تخلق الجنّة في الدنيا، وتنزل بها من السماء إلى الأرض. والشيوعيون يَعِدوننا بهذه الجنّة، وينتظرون ذلك اليوم الذي يقضي فيه المعمل على طبيعة الإنسان، ويخلقه من جديدٍ إنساناً مثالياً في أفكاره وأعماله، وإن لم يكن يؤمن بذرّةٍ من القيم المثالية والأخلاقية. ولو تحقّقت هذه المعجزة فلنا معهم حينئذٍ كلام.
وأمّا الآن فوضع التصميم الاجتماعي الذي يرومونه يستدعي حبس الأفراد في حدود فكرة هذا التصميم، وتأمين تنفيذه بقيام الفئة المؤمنة به على حمايته، والاحتياط له بكبت الطبيعة الإنسانية والعواطف النفسية، ومنعها عن الانطلاق بكلّ اسلوبٍ من الأساليب. والفرد في ظلّ هذا النظام وإن كسب تأميناً كاملًا وضماناً اجتماعياً لحياته وحاجاته؛ لأنّ الثروة الجماعية تمدّه بكلّ ذلك في وقت الحاجة ولكن أليس من الأحسن بحال هذا الفرد أن يظفر بهذا التأمين دون أن يخسر استنشاق نسيم الحرّية المهذّبة، ويضطرّ إلى إذابة شخصه في النار، وإغراق نفسه في البحر الاجتماعي المتلاطم؟!
وكيف يمكن أن يطمع بالحرّية- في ميدانٍ من الميادين- إنسان حُرِم من الحرّية في معيشته، وربطت حياته الغذائية ربطاً كاملًا بهيئةٍ معيّنة، مع أنّ الحرّية الاقتصادية والمعيشية هي أساس الحريات جميعاً؟!
ويعتذر عن ذلك المعتذرون فيتساءلون: ماذا يصنع الإنسان بالحرّية والاستمتاع بحقّ النقد والإعلان عن آرائه وهو يرزح تحت عبءٍ اجتماعي