الحقوق السياسية بين أفراد المواطنين وإن لم تُمحَ من سجلِّ النظام غير أ نّها لم تَعُد بعد هذه الزعازع إلّاخيالًا وتفكيراً خالصاً، فإنّ الحرّية الاقتصادية حين تسجِّل ما عرضناه من نتائج تنتهي الى الانقسام الفظيع الذي مرّ في العرض، وتكون هي المسيطرة على الموقف، والماسكة بالزمام، وتقهر الحرّية السياسية أمامها. فإنّ الفئة الرأسمالية بحكم مركزها الاقتصادي من المجتمع، وقدرتها على استعمال جميع وسائل الدعاية، وتمكّنها من شراء الأنصار والأعوان تهيمن على مقاليد الحكم في الامّة، وتتسلّم السلطة لتسخيرها في مصالحها والسهر على مآربها، ويصبح التشريع والنظام الاجتماعي خاضعاً لسيطرة رأس المال؛ بعد أن كان المفروض في المفاهيم الديمقراطية أ نّه من حقّ الامّة جمعاء.
هكذا تعود الديمقراطية الرأسمالية في نهاية المطاف حكماً تستأثر به الأقلّية، وسلطاناً يحمي به عدّةٌ من الأفراد كيانهم على حساب الآخرين، بالعقلية النفعية التي يستوحونها من الثقافة الديمقراطية الرأسمالية.
ونصل هنا الى أفظع حلقات المأساة التي يمثّلها هذا النظام، فإنّ هؤلاء السادة الذين وضع النظام الديمقراطي الرأسمالي في أيديهم كلّ نفوذ، وزوّدهم بكلّ قوةٍ وطاقةٍ سوف يمدّون أنظارهم- بوحيٍ من عقلية هذا النظام- الى الآفاق، ويشعرون بوحيٍ من مصالحهم وأغراضهم أ نّهم في حاجةٍ الى مناطق نفوذٍ جديدة؛ وذلك لسببين:
الأوّل: أنّ وفرة الإنتاج تتوقّف على مدى توفّر المواد الأوّلية وكثرتها، فكلّ من يكون حظّه من تلك المواد أعظم تكون طاقاته الإنتاجية أقوى وأكثر.
وهذه المواد منتشرة في بلاد اللَّه العريضة، واذا كان من الواجب الحصول عليها فاللازم السيطرة على البلاد التي تملك الموادّ لامتصاصها واستغلالها.