الثاني: أنّ شدّة حركة الإنتاج وقوتها بدافع من الحرص على كثرة الربح من ناحية، وانخفاض المستوى المعيشي لكثيرٍ من المواطنين بدافعٍ من الشَرَهِ المادي للفئة الرأسمالية، ومغالبتها للعامة على حقوقها بأساليبها النفعية، التي تجعل المواطنين عاجزين عن شراء المنتجات واستهلاكها، كلّ ذلك يجعل كبار المنتجين في حاجةٍ ماسّةٍ الى أسواق جديدةٍ لبيع المنتجات الفائضة فيها، وإيجاد تلك الأسواق يعني التفكير في بلادٍ جديدة.
وهكذا تدرس المسألة بذهنيةٍ مادّيةٍ خالصة. ومن الطبيعي لمثل هذه الذهنية التي لم يرتكز نظامها على القيم الروحية والخلقية؛ ولم يعترف مذهبها الاجتماعي بغايةٍ إلّاإسعاد هذه الحياة المحدودة بمختلف المتع والشهوات أن ترى في هذين السببين مبرِّراً ومسوِّغاً منطقياً للاعتداء على البلاد الآمنة، وانتهاك كرامتها، والسيطرة على مقدراتها ومواردها الطبيعية الكبرى، واستغلال ثرواتها لترويج البضائع الفائضة، فكلّ ذلك أمر معقول وجائز في عرف المصالح الفردية التي يقوم على أساسها النظام الرأسمالي والاقتصاد الحرّ.
وينطلق من هنا عملاق يغزو ويحارب، ويقيِّد ويكبِّل، ويستعمر ويستثمر إرضاءً للشهوات وإشباعاً للرغبات.
فانظر ماذا قاست الإنسانية من ويلات هذا النظام؛ باعتباره مادّياً في روحه وصياغته وأساليبه وأهدافه، وإن لم يكن مركّزاً على فلسفةٍ محدّدةٍ تتّفق مع تلك الروح والصياغة، وتنسجم مع هذه الأساليب والأهداف كما ألمعنا اليه؟!
وقدِّر بنفسك نصيب المجتمع الذي يقوم على ركائز هذا النظام ومفاهيمه من السعادة والاستقرار، هذا المجتمع الذي ينعدم فيه الإيثار والثقة المتبادلة،