فانكشف الميدان عن ثراءٍ فاحشٍ من جانب الأقلّية من أفراد الامّة؛ ممّن أتاحت لهم الفرص وسائل الإنتاج الحديث، وزوّدتهم الحرّيات الرأسمالية غير المحدودة بضماناتٍ كافيةٍ لاستثمارها واستغلالها الى أبعد حدٍّ، والقضاء بها على كثيرٍ من فئات الامّة التي اكتسحت الآلة البخارية صناعتها، وزعزعت حياتها، ولم تجد سبيلًا للصمود في وجه التيّار ما دام أرباب الصناعات الحديثة مسلَّحين بالحرّية الاقتصادية وبحقوق الحرّيات المقدّسة كلّها.
وهكذا خلا الميدان إلّامن تلك الصفوة من أرباب الصناعات والإنتاج، وتضاءلت الفئة الوسطى واقتربت الى المستوى العام المنخفض، وصارت هذه الأكثرية المحطَّمة تحت رحمة تلك الصفوة التي لا تفكّر ولا تحسب إلّاعلى الطريقة الديمقراطية الرأسمالية. ومن الطبيعي حينئذٍ أن لا تمدّ يد العطف والمعونة الى هؤلاء لتنتشلهم من الهوّة وتشركهم في مغانمها الضخمة. ولماذا تفعل ذلك ما دام المقياس الخلقي هو المنفعة واللذّة، وما دامت الدولة تضمن لها مطلق الحرّية فيما تعمل، وما دام النظام الديمقراطي الرأسمالي يضيق بالفلسفة المعنوية للحياة ومفاهيمها الخاصّة؟!
فالمسألة إذاً يجب أن تدرس بالطريقة التي يوحي بها هذا النظام، وهي: أن يستغلّ هؤلاء الكبراء حاجة الأكثرية اليهم ومقوّماتهم المعيشية، فيفرض على القادرين العمل في ميادينهم ومصانعهم في مدّةٍ لا يمكن الزيادة عليها، وبأثمانٍ لا تفي إلّابالحياة الضرورية لهم.
هذا هو منطق المنفعة الخالص الذي كان من الطبيعي أن يسلكوه، وتنقسم الامّة بسبب ذلك الى: فئةٍ في قمّة الثراء، وأكثريةٍ في المهوى السحيق.
وهنا يتبلور الحقّ السياسي للُامّة من جديدٍ بشكلٍ آخر. فالمساواة في