كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»[1].

هذه بعض الصور الرائعة التي يقدِّمها الدين مثالًا على الاسلوب الأول، الذي يتّبعه للتوفيق بين المقياسَين وتوحيد الميزانين، فيربط بين الدوافع الذاتية وسبل الخير في الحياة، ويطوّر من مصلحة الفرد تطويراً يجعله يؤمن بأنّ مصالحه الخاصّة والمصالح الحقيقة العامة للإنسانية- التي يحدّدها الإسلام- مترابطتان‏[2].

وأمّا الاسلوب الثاني الذي يتّخذه الدين للتوفيق بين الدافع الذاتي والقيم أو المصالح الاجتماعية فهو: التعهّد بتربيةٍ أخلاقيةٍ خاصّة، تعني بتغذية الإنسان روحياً، وتنمية العواطف الإنسانية والمشاعر الخلقية فيه. فإنّ في طبيعة الإنسان- كما ألمعنا سابقاً- طاقاتٍ واستعداداتٍ لميولٍ متنوّعة، بعضها ميول مادية تتفتّح شهواتها بصورةٍ طبيعية، كشهوات الطعام والشراب والجنس، وبعضها ميول معنوية تتفتّح وتنمو بالتربية والتعاهد؛ ولأجل ذلك كان من الطبيعي للإنسان- إذا ترك لنفسه- أن تسيطر عليه الميول المادية؛ لأنّها تتفتّح بصورةٍ طبيعية، وتظلّ الميول المعنوية واستعداداتها الكامنة في النفس مستترة.

والدين باعتباره يؤمن بقيادةٍ معصومةٍ مسدّدةٍ من اللَّه فهو يوكل أمر تربية الإنسانية وتنمية الميول المعنوية فيها إلى هذه القيادة وفروعها، فتنشأ بسبب ذلك مجموعة من العواطف والمشاعر النبيلة، ويصبح الإنسان يحبّ القيم الخلقية والمثل التي يربّيه الدين على احترامها، ويستبسل في سبيلها، ويزيح عن طريقها ما يقف أمامها من مصالحه ومنافعه. وليس معنى ذلك أنّ حبّ الذات يُمحى‏ من الطبيعة الإنسانية، بل إنّ العمل في سبيل تلك القيم والمثل تنفيذ كامل لإرادة حب‏

 

[1] التوبة: 120- 121

[2] انظر اقتصادنا: الإطار العام للاقتصاد الإسلامي