البشري التي ترمي الى إقامة الصرح الاجتماعي وهندسته ورسم خططه ووضع ركائزه. وكان جهاداً مرهقاً يضجّ بالمآسي والمظالم، ويزخر بالضحكات والدموع، وتقترن فيه السعادة بالشقاء، كلّ ذلك لِمَا كان يتمثّل في تلك الألوان الاجتماعية من مظاهر الشذوذ والانحراف عن الوضع الاجتماعي الصحيح.
ولولا ومضات شعَّت في لحظاتٍ من تاريخ هذا الكوكب لكان المجتمع الإنساني يعيش في مأساةٍ مستمرّة، وسبحٍ دائمٍ في الأمواج الزاخرة.
ولا نريد أن نستعرض الآن أشواط الجهاد الإنساني في الميدان الاجتماعي؛ لأنّنا لا نقصد بهذه الدراسة أن نؤرّخ للإنسانية المعذبة، وأجوائها التي تقلّبت فيها منذ الآماد البعيدة، وإنّما نريد أن نواكب الإنسانية في واقعها الحاضر وفي أشواطها التي انتهت اليها لنعرف الغاية التي يجب أن ينتهي اليها الشوط، والساحل الطبيعي الذي لا بدّ للسفينة أن تشقّ طريقها اليه وترسو عنده لتصل الى السلام والخير، وتؤوبَ الى حياةٍ مستقرّة، يعمرها العدل والسعادة بعد جهدٍ وعناءٍ طويلين، وبعد تطوافٍ عريضٍ في شتّى النواحي ومختلف الاتّجاهات.
والواقع أنّ إحساس الإنسان المعاصر بالمشكلة الاجتماعية أشدّ من إحساسه بها في أيِّ وقتٍ مضى من أدوار التاريخ القديم. فهو الآن أكثر وعياً لموقفه من المشكلة، وأقوى‏ تحسّساً بتعقيداتها؛ لأنّ الإنسان الحديث أصبح يعي أنّ المشكلة من صنعه، وأنّ النظام الاجتماعي لا يفرض عليه من أعلى بالشكل الذي تفرض عليه القوانين الطبيعية التي تتحكّم في علاقات الإنسان بالطبيعة.
على العكس من الإنسان القديم الذي كان ينظر في كثيرٍ من الأحايين الى النظام الاجتماعي وكأ نّه قانون طبيعي؛ لا يملك في مقابله اختياراً ولا قدرة. فكما لا يستطيع أن يطوّر من قانون جاذبية الأرض كذلك لا يستطيع أن يغيّر العلاقات‏