النصوص علاج الشريعة للمشاكل الاقتصادية وتنظيمها للحقل الاقتصادي، وبالتالي وجود اقتصادٍ إسلاميٍّ يمكن استخلاصه من الكتاب والسنّة.
وفي ضوء تلك النصوص يعرف القارئ خطأ القول الشائع عند البعض، بأنّ الشريعة تنظّم سلوك الفرد لا المجتمع، والمذهب الاقتصادي تنظيم اجتماعي، فهو خارج عن نطاق الشريعة التي تقتصر في تشريعها على تنظيم سلوك الفرد فحسب.
إنّ النصوص السابقة تبرهن على خطأ هذا القول؛ لأنّها تكشف عن امتداد الشريعة الى كلّ ميادين الحياة، وتنظيمها للمجتمع والفرد على السواء.
والحقيقة أنّ القول بأنّ الشريعة تنظِّم سلوك الفرد لا المجتمع يتناقض مع نفسه، إضافةً الى اصطدامه بتلك النصوص؛ لأنّه حين يفصل سلوك الفرد وتنظيمه عن تنظيم المجتمع يقع في خطأ كبير، من ناحية أنّ النظام الاجتماعي لأيِّ جانبٍ من الجوانب العامة في المجتمع- سواء كان اقتصادياً، أم سياسياً، أم غير ذلك- يتجسّد في سلوك الفرد، فلا يمكن تنظيم سلوك الفرد بصورةٍ منعزلةٍ عن تنظيم المجتمع.
خذ إليكَ النظام الرأسمالي بوصفه تنظيماً اجتماعياً، فإنّه ينظّم الحياة الاقتصادية على أساس مبدأ الحرّية الاقتصادية، وهذا المبدأ يتجسّد في سلوك الرأسمالي مع العامل، وطريقة إبرامه معه عقد العمل، وفي سلوك المرابي مع زبائنه الذين يقرضهم بفائدة، وطريقة إبرامه معهم عقد القرض. وهكذا كلّ تنظيمٍ اجتماعيٍّ فإنّه يتّصل بسلوك الفرد، وينعكس عليه ويتجسّد فيه.
فاذا كانت الشريعة تنظّم سلوك الفرد فلها طريقتها إذن في تنظيم سلوكه حين يقترض مالًا، أو حين يستأجر عاملًا، أو حين يؤجِر نفسه، وهذا يرتبط حتماً بالتنظيم الاجتماعي.