السادس: وصيّتها بأن لا يحضر تجهيزها ودفنها أحد من خصومها[1]، وكانت هذه الوصية الإعلان الأخير من الزهراء عن نقمتها على الخلافة القائمة.
وقد فشلت الحركة الفاطمية بمعنىً ونجحت بمعنى آخر.
فشلت لأنّها لم تطوّح بحكومة الخليفة رضى الله عنه في زحفها الأخير الخطير الذي قامت به في اليوم العاشر من وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله.
ولا نستطيع أن نتبيّن الامور التي جعلت الزهراء تخسر المعركة، غير أنَّ الأمر الذي لا ريب فيه: أنّ شخصيّة الخليفة رضى الله عنه من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى فشلها؛ لأنّه من أصحاب المواهب السياسية، وقد عالج الموقف بلباقةٍ ملحوظةٍ نجد لها مثالًا في ما أجاب به الزهراء من كلامٍ وجّهه إلى الأنصار من خطابٍ بعد انتهائها من خطبتها في المسجد. فبينما هو يذوب رقّةً في جوابه للزهراء وإذا به يطوي نفسه على نارٍ متأجّجةٍ تندلع بعد خروج فاطمة من المسجد، في أكبر الظنّ، فيقول: ما هذه الرِّعة إلى كلّ قالة، إنَّما هو ثعالة شهيده ذنبه، وقد نقلنا الخطاب كاملًا في ما سبق، فإنّ هذا الانقلاب من اللين والهدوء إلى الغضب الفائر يدلّنا على مقدار ما اوتي من سيطرة على مشاعره وقدرته على مسايرة الظرف وتمثيل الدور المناسب في كلّ حين.
ونجحت معارضة الزهراء لأنّها جهّزت الحقّ بقوّةٍ قاهرة، وأضافت إلى طاقته على الخلود في ميدان النضال المذهبي طاقةً جديدة. وقد سجّلت هذا النجاح في حركتها كلّها وفي محاورتها مع الصدِّيق والفاروق عند زيارتهما لها بصورةٍ خاصّة، إذ قالت لهما: أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تعرفانه وتفعلان به؟ فقالا: نعم، فقالت: نشدتكما اللَّه ألم تسمعا من
[1] راجع حلية الأولياء 2: 42. مستدرك الحاكم 3: 178، واسد الغابة 5: 524