أمرٍ واحد، وهو تنبيه الناس، وكسب التفاتهم باجتيازها في الطريق مع تلك النسوة ليجتمعوا في المسجد، ويتهافتوا حيث ينتهي بها السير بقصد التعرّف على ما تريده، وتعزم عليه من قولٍ أو فعل، وبهذا تكون المحاكمة علنيّةً تعيها أسماع عامّة المسلمين في ذلك الوسط المضطرب.
ظاهرة:
سبق أنّ الرواية التأريخية جاءت تنصّ على أنّ الزهراء لم تكن لتخرم في مشيتها مشية أبيها صلى الله عليه و آله و سلم.
ويتّسع لنا المجال لفلسفة هذا التقليد الدقيق، فلعلّه كان طبيعةً قد جرت عليها في موقفها هذا بلا تكلّفٍ ولا اعتناءٍ خاصّ، وليس هذا ببعيد، فإنّها- صلوات اللَّه عليها- قد اعتادت أن تقلّد أباها وتحاكيه في سائر أفعالها وأقوالها.
ويحتمل أن يكون لهذه المشابهة المتقنة وجه آخر بأن كانت الحوراء قد عمدت في موقفها يومذاك إلى تقليد أبيها في مشيه عن التفاتٍ وقصدٍ فأحكمت التمثيل، وأجادت المحاكاة، فلم تكن لتخرم مشية النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، وأرادت بهذا أن تستولي على المشاعر وإحساس الناس وعواطف الجمهور بهذا التقليد الباهر الذي يدفع بأفكارهم إلى سفرٍ قصير، وتجوّلٍ لذيذٍ في الماضي القريب حيث عهد النبوّة المقدّس، والأيام الضواحك التي قضوها تحت ظِلال نبيّهم الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم؛ فيكون في إرهاف هذه الإحساسات وصقلها صقلًا عاطفيّاً ما يمهّد للزهراء الشروع في مقصودها، ويوطّئ القلوب لِتَقَبّل دعوتها الصارخة، واستجابة استنقاذها الحزين، ونجاح محاولتها اليائسة أو شبه اليائسة.
ولذا ترى أنّ الراوي نفسه أثّرت عليه هذه الناحية أيضاً من حيث يشعر أو لا يشعر، ودفعه تأثّره هذا إلى تسجيلها فيما سجّل من تصوير الحركة الفاطمية.