[الأبعاد السياسيّة للثورة:]
هذه هي الثورة الفاطمية في لونها العاطفي، وهو لون من عدّة ألوان، أوضحها وأجلاها اللون السياسي الغالب على أساليبها وأطوارها.
وأنا حين أقول ذلك لا أعني بالسياسة مفهومها الرائج في أذهان الناس هذا اليوم المركّز على الالتواء والافتراء، وإنّما أقصد بها مفهومها الحقيقي الذي لا التواء فيه. فالمُمعِن في دراسة خطوات النزاع وتطوّراته والأشكال التي اتّخذها لا يفهم منه ما يفهم من قضية مطالبةٍ بأرض، بل يتجلّى له منها مفهوم أوسع من ذلك ينطوي على غرضٍ طَموحٍ يبعث إلى الثورة ويهدف إلى استرداد عرشٍ مسلوبٍ وتاجٍ ضائعٍ ومجدٍ عظيمٍ وتعديل امّةٍ انقلبت على أعقابها.
وعلى هذا كانت فدك معنىً رمزيّاً يرمز إلى المعنى العظيم، ولا يعني تلك الأرض الحجازية المسلوبة، وهذه الرمزية التي اكتسبتها فدك هي التي ارتفعت بالمنازعة من مخاصمةٍ عاديةٍ منكمشةٍ في افقها، محدودةٍ في دائرتها إلى ثورةٍ واسعة النطاق رحيبة الافق.
ادرس ما شئت من المستندات التأريخية الثابتة للمسألة فهل ترى نزاعاً مادّياً، أو ترى اختلافاً حول فدك بمعناها المحدود وواقعها الضيّق، أو ترى تسابقاً على غلّات أرضٍ مهما صعد بها المبالغون وارتفعوا؟ فليست شيئاً يحسب له المتنازعان حساباً.
كلّا! بل هي الثورة على اسس الحكم، والصرخة التي أرادت فاطمة أن تقتلع بها الحجر الأساسي الذي بُني عليه التأريخ بعد يوم السقيفة.
ويكفينا لإثبات ذلك أن نلقي نظرةً على الخطبة التي خطبتها الزهراء في المسجد أمام الخليفة وبين يدي الجمع المحتشد من المهاجرين والأنصار، فإنّها دارت أكثر ما دارت حول امتداح عليٍّ والثناء على مواقفه الخالدة في الإسلام