ولنعتذر إذا كان فيما قدّمناه سبب للاعتذار، وقد اضطرّنا إلى ذلك الوقوف عند المقارنة الفاطمية وما تستحقّه من شرح وتوضيح.
[خطابها إلى الحزب الحاكم:]
قالت: «تتربّصون بنا الدوائر وتتوكّفون الأخبار».
هذا الخطاب موجّه إلى الحزب الحاكم؛ لأنّه هو الذي زعم ما نسبته الزهراء إلى مخاطبيها فيما يأتي من تعليل التسرّع إلى إتمام البيعة بالخوف من الفتنة.
وإذن فهو اتّهام صريح له بالتآمر على السلطان واتّخاذ التدابير اللازمة لهذه المؤامرة الرهيبة ووضع الخطط المحكمة لتنفيذها وتربّص الفرصة السانحة للانقضاض على السلطة وتجريد البيت الهاشمي منها.
وقد رأينا في الفصل السابق أنّ الاتّفاق السرّي بين الصدِّيق والفاروق وأبي عبيدة[1] رضي اللَّه عنهم ممّا تعزّزه الظواهر التأريخية.
ولا ينبغي أن نترقّب دليلًا مادّيّاً أقوى من كلام الزهراء الذي بيّنا إشعاره إلى هذا المعنى بوضوح لمعاصرتها لتلك الظروف العصيبة. فلا ريب أ نّها كانت تفهم حوادث تلك الساعة فهماً أخصّ ما يوصف به: أ نّه أقرب إلى واقعها وأكثر إصابة له من دراسة يقوم بها النقّاد بعد مئات السنين.
ومن حقّ البحث أن نسجّل أنّ الزهراء هي أوّل من أعلنت- إن لم يكن
[1] نعتذر إلى سيّدنا أبي عبيدة عن ذكر اسمه مجرّداً عن اللقب، وليس هذا ذنبي بل ذنب الأجل الذي عجّل بروحه قبل أن يصير الأمر إليه فيمنحه الناس لقباً من الألقاب، وأمَّا لقب الأمين فالأرجح عندي أ نّه لم يحصل عليه عن طريق النبيّ صلى الله عليه و آله ولا عن طريق الناس، وإنّما لُقِّب به لمناسبات حزبيّة خاصّة ليس من شأنها تقرير الأوسمة الرسمية.( المؤلّف قدس سره)