مستمسَكات الثورة:
ارتفعت الزهراء بأجنحةٍ من خيالها المطهَّر إلى آفاق حياتها الماضية ودنيا أبيها العظيم، التي استحالت- حِين لحق سيّد البشر بربّه- إلى ذكرى في نفس الحوراء متأ لّقةٍ بالنور، تمدّ الزهراء في كلّ حينٍ بألوانٍ من الشعور والعاطفة والتوجيه، وتشيع في نفسها ضروباً من البهجة والنعيم، فهي وإن كانت قد تأخّرت عن أبيها في حساب الزمن أياماً أو شهوراً ولكنّها لم تنفصل عنه في حساب الروح والذكرى لحظةً واحدة.
وإذن ففي جنبيها معين من القوّة لا ينبض[1]، وطاقة على ثورةٍ كاسحةٍ لا تخمد، وأضواء من نبوّة محمّدٍ صلى الله عليه و آله و سلم ونفس محمّدٍ تنير لها الطريق، وتهديها سواء السبيل.
وتجرّدت الزهراء في اللحظة التي اختمرت فيها ثورة نفسها عن دنيا الناس، واتّجهت بمشاعرها إلى تلك الذكرى الحيّة في نفسها؛ لتستمدَّ منها قبساً من نورٍ في موقفها العصيب، وصارت تنادي:
إليَّ يا صورَ السعادةِ التي أفقتُ منها على شقاءٍ لا يصطبر عليه …
إليَّ يا أعزَّ روحٍ عليَّ، وأحبّها إليَّ …، حدّثيني وأفيضي عليَّ من نورك الإلهي كما كنتِ تصنعين معي دائماً.
إليَّ يا أبي اناجيك إن كانت المناجاة تلذُّ لك، وأبثّك همومي كما اعتدتُ أن أفعل في كلّ حين، واخبرك أنّ تلك الظِلال الظليلة التي كانت تقيني من لهيب هذه الدنيا لم يعدْ لي منها شيء.
[1] هذه اللفظة من الأضداد، يقال: نبض الماء نبوضاً، أي سال أو غار