على طول التأريخ، وأعني بهذا المجد العظيم: سيادة الامّة وزعامتها الكبرى، فقد كان من تشريعات السماء أن يسوس آل محمّدٍ صلى الله عليه و آله و سلم امّته وشيعته؛ لأ نّهم مشتقّاته ومصغّراته، وإذا بالتقدير المعاكس يصرف مراكز الزعامة عن أهلها، ومناصب الحكم عن أصحابها، ويرتّب لها خلفاء وامراء من عند نفسه.
وبهذا وذاك خسرت الزهراء أقدس النبوّات والابوّات، وأخلد الرئاسات والزعامات بين عشيّةٍ وضحاها، فبعثتها نفسها المطوَّقة بآفاقٍ من الحزن والأسف إلى المعركة ومجالاتها، ومباشرة الثورة والاستمرار عليها.
والحقيقة التي لا شكّ فيها أنّ أحداً ممّن يوافقها على مبدئها ونهضتها لم يكن ليمكنه أن يقف موقفها، ويستبسل استبسالها في الجهاد إلّاوأن يكون أكلةً باردة، وطعمةً رخيصةً للسلطات الحاكمة التي كانت قد بلغت يومذاك أوج الضغط والشدّة. فعلى الإشارة عتاب، وعلى القول حساب، وعلى الفعل عقاب، فلم يكن ليختلف عمّا نصطلح عليه اليوم بالأحكام العرفية، وهو أمر ضروري للسلطات يومئذٍ في سبيل تدعيم أساسها وتثبيت بنيانها.
أمّا إذا كان القائم المدافع بنت محمّدٍ صلى الله عليه و آله و سلم وبضعته[1] وصورته الناضرة، فهي محفوظة لا خوف عليها بلا شكّ، باعتبار هذه النبوّة المقدّسة، ولِما للمرأة في الإسلام عموماً من حرماتٍ وخصائص تمنعها وتحميها من الأذى.
[1] جاء في الحديث الصحيح:« فاطمة بضعة منّي مَن آذاها فقد آذاني …». راجع التاج الجامع للُاصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم 3: 353 عن البخاري ومسلم وغيرهما، وصحيح البخاري 4: 210، باب فضائل الصحابة، وصحيح مسلم 4: 1902 باب فضائل الصحابة، حديث رقم 2449، فضائل فاطمة عليها السلام