المواريث إلى أهلها فلم تكن فاطمة في حاجةٍ إلى مراجعة الخليفة، ولم تكن لتأخذ رأيه وهو الظالم المنتزي على الحكم في رأيها، فالمطالبة بالميراث لا بدّ أ نّها كانت صدىً لِمَا قام به الخليفة من تأميمه للتركة- على ما نقول اليوم- والاستيلاء عليها.
أقول: إذا عرفنا هذا، وأنّ الزهراء لم تطالب بحقوقها قبل أن تُنتزع منها تجلّى لدينا أنّ ظرف المطالبة كان مشجّعاً كلّ التشجيع للمعارضين على أن يغتنموا مسألة الميراث مادةً خصبةً لمقاومة الحزب الحاكم على اسلوبٍ سلميّ كانت تفرضه المصالح العليا يومئذٍ، واتّهامه بالغصب والتلاعب بقواعد الشريعة والاستخفاف بكرامة القانون.
[المنازعة في ضوء الظروف المحيطة بها:]
وإذا أردنا أن نفهم المنازعة في أشكالها وأسبابها على ضوء الظروف المحيطة بها وتأثيرها كان لزاماً علينا أن نعرض تلك الظروف عرضاً مستعجلًا، ونسجّل صورةً واضحةَ الألوان للعهد الانقلابي بالمقدار الذي يتّصل بغرضنا.
ولا أعني بالانقلاب- حين أصف عهد الخليفة الأوّل بذلك- إلّامفهومه الحقيقي المنطبق على تلوّن السلطة الحاكمة بشكلٍ جمهوريٍّ يتقوّم بالشورى ويكتسب صلاحياته من الجماعات المنتخبة، ونزعها لشكلها الأوّل الذي يستمدّ قوّته وسلطته من السماء.
فقد كانت تلك اللحظة التي ضرب بها بشير بن سعد على يد الخليفة[1] نقطة التحوّل في تأريخ الإسلام؛ التي وضعت حدّاً لأفضل العهود، وأعلنت عهداً آخر
[1] راجع تأريخ الطبري 2: 243