[مقارنتها بين مواقف عليّ عليه السلام ومواقف الآخرين:]
وقالت: «وكنتم على شفا حفرةٍ من النار مذقةَ الشارب، ونهزةَ الطامع، وقبسةَ العجلان، وموطئَ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون الورق، أذلّةً خاسئين تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم اللَّه تبارك وتعالى بمحمّدٍ صلى الله عليه و آله بعد اللتيّا والتي، وبعد أن مُني ببُهَم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللَّه، أو نجم قرن للشيطان، وفغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لَهواتها، فلا ينكفئ حتّى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات اللَّه، مجتهداً في أمر اللَّه، قريباً من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، سيّد أولياء اللَّه، مشمِّراً ناصحاً، مجِدّاً كادحاً، وأنتم في رفاهيةٍ من العيش وادعون فاكهون آمنون»[1].
ما أرْوعها من مقارنةٍ هذه التي عقدتها الزهراء بين أسمى طرازٍ من الكفاءة العسكرية في دنيا الإسلام يومئذٍ وبين رجولةٍ مفطومةٍ- إن صحّ التعبير- من مَلَكات البطل ومقوّمات العسكري الموهوب. بين بسالةٍ هتفت بآياتها السماء والأرض، وكُتبت بمداد الخلود في فهرس المثاليّات الإنسانية، وشخصيّةٍ اكتفت من الجهاد المقدّس بالوقوف في الخطّ الحربي الأخير (العريش). ويا ليتها اقتنعت بذلك عن الفرار المحرّم في عرف الإسلام، وفي عرف التضحية، وفي عرف المفاداة بالنفس لتوحيد الحكومة السماوية على وجه الأرض.
ولا نعرفُ في تأريخ الإنسانية موهبةً عسكريةً بارعةً لها من الآثار الخيّرة في حياة هذا الكوكب كالموهبة العلوية الفذّة في تأريخ الأبطال؛ فإنّ مواقف
[1] تعني بهذا الكلام الجماعة الحاكمة، كما سنوضح ذلك في الكلام على القطعة الآتية.( المؤلّف قدس سره). راجع شرح نهج البلاغة 16: 250- 251، الاحتجاج 1: 100- 101