الإمام في سوح الجهاد وميادين النضال كانت بحقٍّ هي الركيزة التي قامت عليها دنيا الإسلام وصنعت له تأريخه الجبّار.
فعليٌّ هو المسلم الأوّل في اللحظة الاولى من تأريخ النبوّة عند ما لَعلَع الصوت الإلهي من فم محمّدٍ صلى الله عليه و آله، ثمّ هو بعد ذلك الغيور الأوّل، والمُدافع الأوّل الذي أسندت إليه السماء تصفية الحساب مع الإنسانية الكافرة.
إنّ فوز الإمام في هذه المقارنة يعني أنّ له حقّاً في الخلافة من ناحيتين:
إحداهما: أ نّه الشخص العسكريّ الفريد بين مسلمة ذلك اليوم الذي لم يكن قد فصل فيه تماماً المركز السياسي الأعلى عن المقامات العسكرية.
والاخرى: أنّ جهاده الرائع يكشف عن إخلاصٍ أروع لا يعرف الشكّ إليه سبيلًا، وجذوةٍ مضطرمةٍ بحرارة الإيمان لا يجد الخمود إليها طريقاً. وهذه الجذوة المتّقدة أبداً، وذلك الإخلاص الفيّاض دائماً هما الشرطان الأساسيّان للزعيم الذي تُوكِل إليه الامّة حراسة معنويّاتها الغالية وحماية شرفها في التأريخ.
اقرأ حياة النبيّ صلى الله عليه و آله وتأريخ الجهاد النبويّ، فسوف ترى أنّ عليّاً هو الذي أدهش الأرض والسماء بمواساته[1]، وأنّ الصدِّيق رضى الله عنه هو الذي التجأ إلى مركز
[1] أخرج الطبري في تاريخه 2: 65 عن ابن رافع: لمّا قتل عليّ بن أبي طالب أصحاب الألوية أبصر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جماعة من مشركي قريش، فقال لعليّ: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرّق جمعهم وقتل عمرو بن عبد اللَّه الجمحي، قال: ثمّ أبصر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جماعة من مشركي قريش فقال لعليّ: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرّق جماعتهم وقتل شيبة بن مالك، فقال جبرئيل: يا رسول اللَّه انّ هذه لَلمواساة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّه منّي وأنا منه، فقال جبريل: وأنا منكما، قال: فسمعوا صوتاً:
لا سيف إلّاذو الفقار | ولا فتى إلّاعليّ | |
— ولنتأمّل جواب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لنلاحظ كيف أ نّه ارتفع بعليّ عن مفهوم المواساة الذي يقضي بتعدّد محمّد وعلي إلى مفهوم الوحدة والامتزاج فقال: إنَّه منّي وأنا منه، ولم يرض بأن يفصل الإمام عن شخصه؛ لأنَّهما وحدة لا تتجزّأ ضربها اللَّه مثلًا أعلى تأتمّ بها الإنسانية ويهتدي على ضوئها الأبطال والمصلحون في معارج السموّ والارتقاء، وأنا لا أدري كيف حاول الصحابة أو بعض الصحابة أن يفكّكوا عرى هذه الوحدة ويضعوا بين البطلين أشخاصاً ثلاثة كان من الجدير أن لا يفصلوا بهم بين محمّد وبين مَن هو من محمّد صلى الله عليه و آله.( المؤلّف قدس سره)