قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثةٌ | لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطُب[1] | |
إليَّ يا ذكريات الماضي العزيز، حدّثيني حديثك الجذّاب، وردّدي على مسامعي كلَّ شيء؛ لُاثيرَها حرباً لا هوادة فيها على هؤلاء الذين ارتفعوا أو ارتفع الناس بهم إلى منبر أبي ومقامه، ولم يعرفوا لآل محمّدٍ صلى الله عليه و آله و سلم حقوقهم، ولا لبيتهم حرمةً تصونه من الإحراق[2] والتخريب، ذكّريني بمشاهد أبي وغزواته، ألم يكن يقصّ عليَّ ألواناً من بطولة أخيه وصهره واستبساله في الجهاد، وتفوّقه على سائر الأنداد، ووقوفه إلى صفّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في أشدّ الساعات وأعنف المعارك التي فرَّ فيها فلان وفلان وتقاصر عن اقتحامها الشجعان؟! أيصحّ بعد هذا أن نضعَ أبا بكر على منبر النبيّ وننزل بعليٍّ عمّا يستحقّ من مقام؟!
خبّريني يا ذكريات أبي العزيز، أليس أبو بكر هو الذي لم يأتمنه الوحي على تبليغ آيةٍ للمشركين، وانتخب للمهمّة عليّاً؟![3] فماذا يكون معنى هذا إن لم يكن معناه أنّ عليّاً هو الممثّل الطبيعي للإسلام الذي يجب أن تسند إليه كلّ مهمّةٍ لا يتيسّر للنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مباشرتها؟
إنّي لأتذكّر بوضوحٍ ذلك اليوم العصيب الذي أرجف فيه المرجفون
[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 212. مع اختلاف يسير في بعض الكلمات
[2] راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 19، وتأريخ الطبري 2: 233، وشرح نهج البلاغة 6: 47- 48، فقد روي أنّ عمر بن الخطّاب جاء إلى بيت فاطمة عليها السلام في عصابةٍ في رجالٍ من الأنصار ونفرٍ من المهاجرين، فقال:« والذي نفسي بيده لَتَخرجنَّ إلى البيعة أو لُاحرِقنّ البيت عليكم»
[3] انظر مسند أحمد بن حنبل 1: 3، وفي الكشّاف للزمخشري 2: 243، قال:« رُوي أنّ أبا بكر لمّا كان ببعض الطريق لتبليغ سورة براءة هبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد، لا يبلّغنّ رسالتك إلّارجلٌ منك، فأرسل عليّاً …»