تردّد هذا السؤال في نفسه كثيراً، ثمّ وضع له الجواب الذي تُعيِّنه ظروف محنته، وتلزمه به طبيعة الأوضاع القائمة، فسكت عن النصّ إلى حين.
ونحن نتبيّن من الصورة المشوّشة التي عرفناها عن تلك الظروف والأوضاع أنّ الاعتراض بتلك النصوص المقدّسة والاحتجاج بها في ساعةٍ ارتفع فيها المقياس الزئبقي للأفكار المحمومة والأهواء الملتهبة التي سيطرت على الحزب الحاكم إلى الدرجة العالية كان من التقدير المعقول افتراض النتائج السيّئة له؛ لأنّ أكثر النصوص التي صدرت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في شأن الخلافة لم يكن قد سمعها إلّامواطنوه في المدينة من مهاجرين وأنصار، فكانت تلك النصوص إذن الأمانة الغالية عند هذه الطائفة التي لابدَّ أن تصل عن طريقهم إلى سائر الناس في دنيا الإسلام يومئذٍ، وإلى الأجيال المتعاقبة والعصور المتتالية. ولو احتجّ الإمام على جماعة أهل المدينة بالكلمات التي سمعوها من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في شأنه وأقام منها دليلًا على إمامته وخلافته لكان الصدى الطبيعي لذلك أن يكذِّب الحزب الحاكم صِدِّيق الامّة[1] في دعواه، وينكر تلك النصوص التي تمحو من خلافة الشورى لونها الشرعي وتعطّل منها معنى الدين.
وقد لا يجد الحقّ صوتاً قويّاً يرتفع به في قبال ذلك الإنكار؛ لأنّ كثيراً من قريش وفي مقدّمتهم الامويّون كانوا طامحين إلى مجد السلطان ونعيم الملك؛ وهم يرون في تقديم الخليفة على أساسٍ من النصّ النبويّ تسجيلًا لمذهب الإمامة الإلهية. ومتى تقرّرت هذه النظريه في عرف الحكم الإسلامي كان معناها حصر الخلافة في بني هاشم (آل محمّدٍ الأكرمِين) وخروج غيرهم من المعركة
[1] قال أمير المؤمنين:« أنا الصِدِّيق الأكبر، لا يقولها غيري إلّاكذّاب». راجع: الكامل 1: 484، كنز العمّال 6: 394، إحقاق الحقّ 4: 209- 218