ومنصبه الإلهي في سبيل المصالح العليا التي جعله رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وصيّاً عليها وحارساً لها، وفقدت بذلك الرسالة المحمّدية الكبرى بعض معناها، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمّا أمره ربّه بتبليغ دعوته والإنذار برسالته جمع بني عبد المطّلب وأعلن عن نبوّته بقوله: «إنّي واللَّه ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به». وعن إمامة أخيه بقوله: «إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا»[1]. ومعنى ذلك: أنّ إمامة عليٍّ تكملة طبيعية لنبوّة محمّد صلى الله عليه و آله، وأنّ الرسالة السماوية قد أعلنت عن نبوّة محمّدٍ الكبير صلى الله عليه و آله وإمامة محمّدٍ الصغير في وقتٍ واحد.
إنّ عليّاً الذي ربّاه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وربّى الإسلام معه- فكانا ولديه العزيزين- كان يشعر باخوّته لهذا الإسلام، وقد دفعه هذا الشعور إلى افتداء أخيه بكلِّ شيءٍ؛ حتّى أ نّه اشترك في حروب الردّة التي أعلنها المسلمون يومذاك[2]، ولم يمنعه تزعّم غيره لها عن القيام بالواجب المقدّس؛ لأنّ أبا بكر إن كان قد ابتزّه حقّه ونهب تراثه فالإسلام قد رفعه إلى القمّة، وعرف له اخوّته الصادقة وسجّلها بأحرفٍ من نورٍ على صفحات الكتاب الكريم.
وصمد الإمام على ترك الثورة، ولكن ماذا يفعل؟ وأيّ اسلوبٍ يتّخذه لموقفه؟ هل يحتجّ على الفئة الحاكمة بنصوص النبيّ صلى الله عليه و آله وكلماته التي أعلنت أنّ عليّاً هو القطب المعدّ لأنْ يدور عليه الفلك الإسلامي والزعيم الذي قدّمته السماء إلى أهل الأرض؟
[1] أخرجه الطبري في تأريخه 1: 542- 543، وابن الأثير في الكامل 1: 488، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13: 244
[2] راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4: 165