رجالات الامويّين كانت قائمة في ذلك الحين. وهذا التقدير يفسّر لنا القوّة التي تكمن وراء أقوال أبي سفيان حينما كان ساخطاً على أبي بكر وأصحابه، إذ قال:
إنّي لأرى عجاجة لا يطفيها إلّاالدم، وقال عن عليّ والعبّاس: أمّا والذي نفسي بيده لأرفعنّ لهما من أعضادهما[1]. فالامويّون قد كانوا متأهّبين للثورة والانقلاب، وقد عرف عليٌّ منهم ذلك بوضوح حينما عرضوا عليه أن يتزّعم المعارضة، ولكنّه عرف أ نّهم ليسوا من الناس الذين يعتمد على تأييدهم، وإنّما يريدون الوصول إلى أغراضهم عن طريقه، فرفض طلبهم، وكان من المنتظر حينئذٍ أن يشقّوا عصا الطاعة إذا رأوا الأحزاب المسلّحة تتناحر، ولم يطمئنوا إلى قدرة الحاكمين على ضمان مصالحهم، ومعنى انشقاقهم حينئذٍ إظهارهم للخروج عن الدين وفصل مكّة عن المدينة.
وإذن فقد كانت الثورة العلوية في تلك الظروف إعلاناً لمعارضةٍ دمويةٍ تتبعها معارضات دموية ذات أهواءٍ شتّى، وكان فيها تهيئة لظرفٍ قد يغتنمه المشاغبون ثمّ المنافقون.
ولم تكن ظروف المحنة تسمح لعليٍّ بأن يرفع صوته وحده في وجه الحكم القائم، بل لَتناحرت ثورات شتّى، وتقاتلت مذاهب متعدّدة الأهداف والأغراض، ويضيع بذلك الكيان الإسلامي في اللحظة الحرجة التي يجب أن يلتفّ فيها المسلمون حول قيادةٍ موحّدة، ويركّزوا قواهم لصدّ ما كان يترقّب أن تتمخّض عنه الظروف الدقيقة من فتنٍ وثورات.
إنّ عليّاً الذي كان على أتمّ استعدادٍ لتقديم نفسه قرباناً للمبدأ في جميع أدوار حياته منذ أن وُلد في البيت الإلهي وإلى أن قُتِل فيه قد ضحّى بمقامه الطبيعي
[1] تأريخ الطبري 2: 237