خاسراً.
وقد نلمح هذا اللون من التفكير في قول عمر لابن عبّاس معلّلًا إقصاء عليٍّ عن الأمر: «إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة»[1]. فقد يدلّنا هذا على أنّ إسناد الأمر إلى عليٍّ في بداية الأمر كان معناه في الذهنية العامّة حصر الخلافة في الهاشميّين، وليس لذلك تفسير أوّلي من أنّ المفهوم لجمهرةٍ من الناس يومئذٍ من الخلافة العلوية تقرير شكلٍ ثابتٍ للخلافة يستمدّ شرعيّته من نصوص السماء، لا من انتخاب المنتخبين. فعليٌّ إنْ وجد نصيراً من عليّةِ قريشٍ يشجّعه على مقاومة الحاكمين، فإنّه لا يجد منهم عَضُداً في مسألة النصّ إذا تقدّم إلى الناس يحدّثهم أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد سجّل الخلافة لأهل بيته حين قال: «إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي …»[2].
وأمّا الأنصار فقد سبقوا جميع المسلمين إلى الاستخفاف بتلك النصوص والاستهانة بها، إذ حدت بهم الشراهة إلى الحكم إلى عقد مؤتمرٍ في سقيفة بني ساعدة ليصفقوا على يدِ واحدٍ منهم. فلن يجد عليٌّ فيهم- إذا استدلّ بالنصوص النبويّة- جنوداً للقضية العادلة وشهوداً عليها؛ لأنّهم إذا شهدوا على ذلك يسجّلون على أنفسهم تناقضاً فاضحاً في يومٍ واحد؛ وهذا ما يأبونه على أنفسهم بطبيعة الحال.
وليس في مبايعة الأوس لأبي بكر أو قول مَن قال: «لا نبايع إلّاعليّاً»[3] مناقضة كتلك المناقضة؛ لأنّ المفهوم البديهي من تشكيل مؤتمر السقيفة أنّ مسألة
[1] راجع تأريخ ابن الأثير 3: 62- 63
[2] راجع الرواية في صحيح مسلم 4: 1873، مسند الإمام أحمد 4: 281
[3] تأريخ الطبري 2: 233