أيضاً بطلًا يتقبّل القربان ويعزّز به المبدأ، وهذا هو الذي بعث بعليّ إلى فراش الموت وبالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إلى مدينة النجاة يوم الهجرة الأغرّ كما أشرنا إليه قريباً، ولم يكن ليتهيّأ للإمام في محنته بعد وفاة أخيه أن يقدّم لها كِلا البطلين؛ لأنّه لو ضحّى بنفسه في سبيل توجيه الخلافة إلى مجراها الشرعي في رأيه لما بقي بعده من يمسك الخيط من طرفيه، وولدا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم طفلان لا يتهيّأ لهما من الأمر ما يريد.
وقف عليٌّ عند مفترق طريقين كل منهما حرج وكلّ منهما شديد على نفسه:
(أحدهما) أن يعلن الثورة المسلّحة على خلافة أبي بكر.
(والآخر) أن يسكت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، ولكن ماذا كان يترقّب للثورة من نتائج؟ هذا ما نريد أن نتبيّنه على ضوء الظروف التأريخية لتلك الساعة العصيبة.
إنّ الحاكمين لم يكونوا ينزلون عن مراكزهم بأدنى معارضة وهم من عرفناهم حماسة وشدّة في أمر الخلافة. ومعنى هذا أ نّهم سيقابلون ويدافعون عن سلطانهم الجديد، ومن المعقول جدّاً حينئذٍ أن يغتنم سعد بن عبادة الفرصة ليعلنها حرباً اخرى في سبيل أهوائه السياسية، لأنّنا نعلم أ نّه هدّد الحزب المنتصر بالثورة عندما طلب منه البيعة وقال: لا واللَّه حتّى أرميكم بما في كنانتي واخضّب سنان رمحي وأضرب بسيفي واقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني ولو اجتمع معكم الإنس والجنّ ما بايعتكم[1]. وأكبر الظنّ أ نّه تهيّب الإقدام على الثورة ولم يجرأ على أن يكون أوّل شاهر للسيف ضدّ الخلافة القائمة، وإنّما اكتفى بالتهديد الشديد
[1] راجع تأريخ الطبري 2: 244