ونعرف من هذا أنّ علياً بما جهّزته السماء به من تلك القوّة، كان ضرورة من ضرورات الإسلام[1] التي لا بدّ منها وشمساً يدور عليها الفلك الإسلامي بعد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بحسب طبيعته التي لا يمكن أن تقاوم حتّى التجأ الفاروق إلى مسيرتها كما عرفت.
ويتجلّى لدينا أيضاً أنّ الانقلاب الفجائي في السياسة الحاكمة لم يكن ممكناً يومئذٍ لأنّه- مع كونه طفرة- يناقض تلك القوّة الطبيعية المركّزة في شخصية الإمام، فكان من الطبيعي أن تسير السياسة الحاكمة في خطّ منحنٍ حتّى تبلغ النقطة التي وصل إليها الحكم الاموي؛ تفادياً من تأثير تلك القوة الساهرة على الاعتدال والانتظام، كما ينحني السائق بسيارته عندما ينحرف بها إلى نقطة معاكسة تحذّراً من القوّة الطبيعية التي تفرض الاعتدال في السير. وهذا الفصل الرائع من عظمة الإمام يستحقّ دراسة وافية مستقلّة قد نقوم بها في بعض الفرص لنكشف بها عن شخصية عليّ المعارض للحكم والساهر على قضية الإسلام والموفِّق بين حماية القوّة الحاكمة من الانحراف وبين معارضتها في نفس الوقت.
وإن كانت مواقف الإمام كلّها رائعةً فموقفه من الخلافة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من أكثرها روعة.
وإن كانت العقيدة الإلهية تريد في كلِّ زمانٍ بطلًا يفتديها بنفسه فهي تريد
[1] وعلى ضوء ما بيّنّاه نفهم قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لعليٍّ:« لا ينبغي أن أذهب إلّاوأنت خليفتي». وقوله له عندما تهيّأ للخروج إلى غزوة تبوك:« لابدّ أن اقيم أو تقيم». راجع: مسند الإمام أحمد 1: 331، ذخائر العقبى: 87، الخصائص للنسائي: 80- 81.( المؤلّف قدس سره)