ومن مهزلة الأقدار أنّ هذه الفتوّة التي قدّسها الهاتف الإلهي كانت عيباً في رأي مشايخ السقيفة[1] ونقصاً في عليّ يؤاخَذ عليه وينزل به عن الصدّيق الذي لم يكن يمتاز عليه إلّابسنين قضاها كافراً مشركاً. وأنا لا أدري كيف صار الازدواج بين الجاهلية والإسلام في حياة شخصٍ واحدٍ مجداً يمتاز به عمّن خلصت حياته كلّها للَّه.
ولئن ظهرت للناس في البحوث الجديدة القوّة الطبيعية التي تجعل الأجسام الدائرة حول المحور تسير على خطّ معيّن، فلقد ظهرت في عليّ قبل مئات السنين قوّة مثلها ولكنّها ليست من حقائق الفيزياء، بل من قوى السماء وهي التي جعلت من عليّ مناعة طبيعية للإسلام حفظت له مقامه الأعلى ما دام الإمام حيّاً، ومحوراً تدور عليه الحياة الإسلامية لتستمدّ منه روحانيتها وثقافتها وروحها وجوهرها سواء أكان على رأس الحكم أو لا.
وقد عملت هذه القوّة عملها السحري في عمر نفسه، فجذبته إلى خطوطها المستقيمة مراراً حتّى قال: لولا علي لهلك عمر[2]، وظهر تأثيرها الجبّار في التفاف المسلمين حوله في اليوم الذي اسندت فيه مقدّرات الخلافة إلى عامّة المسلمين، ذلك الالتفاف الفذّ الذي يقلّ مثيله في تأريخ الشعوب.
[1] راجع شرح نهج البلاغة 6: 45، وفيها محاورة بين الخليفة الثاني عمر وابن عبّاس، قال الخليفة عمر:« يا ابن عبّاس، ما أظنّ القوم منعهم من صاحبك إلّاأ نّهم استصغروه ..! قال ابن عبّاس: فقلت: واللَّه ما استصغره اللَّه حين أمره أن يأخذ سورة براءة من أبي بكر …». وفي الصفحة 12 من شرح نهج البلاغة: قول أبي عبيدة:« يا أبا الحسن، إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قريش قومك»
[2] راجع: الطبقات الكبرى 2: 339، والصواعق المحرقة: 127