باقر الصدر قدس سره، ج18-2، ص: 72
ولا يجوز أن نستبعد هذا التقدير لسياسة الفئة المسيطرة ما دام منطبقاً على طبيعة السياسة التي لا بدّ من انتهاجها. وما دمنا نعلم أنّ الصدّيق اشترى صوت الحزب الاموي بالمال؛ فتنازل لأبي سفيان عن جميع ما كان عنده من أموال المسلمين، وبالجاه أيضاً إذ ولّى ابن أبي سفيان؛ فقد جاء أنّ أبا بكر لمّا استُخلف قال أبو سفيان: ما لنا ولأبي فصيل إنّما هي بنو عبد مناف، فقيل له: إنّه قد ولّى ابنك، قال: وصلته رحم.
فلا غرابة في أن ينتزع من أهل البيت أموالهم المهمّة ليركّز بذلك حكومته، أو أن يخشى من عليّ عليه السلام أن يصرف حاصلات فدك وغير فدك على الدعوة إلى نفسه.
وكيف نستغرب ذلك من رجل كالصدّيق وهو الذي قد اتّخذ المال وسيلة من وسائل الإغراء واكتساب الأصوات حتّى اتّهمته بذلك معاصرة له من مؤمنات ذلك الزمان؟ فقد ورد: أنّ الناس لمّا اجتمعوا على أبي بكر قسم قسماً بين نساء المهاجرين والأنصار، فبعث إلى امرأةٍ من بني عَديّ ابن النجّار قسمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء، قالت: أتراشوني عن ديني؟! واللَّه لا أقبل منه شيئاً، فردّته عليه[1]!
وأنا لا أدري من أين جاء إلى الخليفة (رضي اللَّه تعالى عنه) هذا المال ما دامت الزكوات التي جمعها الساعي قد صارت من نصيب بطنه وحدها، إن لم يكن من بقية الأموال التي خلّفها النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وكان أهل البيت يطالبون بها.
وسواء صحّ هذا التقدير أو لا فإنّ المعنى الذي نحاول فهمه من هذه الرواية هو أنّ بعض معاصري الصدِّيق أحسّ بما نحسّ به على ضوء معلوماتنا التأريخية
[1] شرح نهج البلاغة 2: 53