وميله إلى جانب الخليفة، وسكوته عن المعارضة حينما تنازل له الخليفة عن أموال المسلمين التي كان قد جباها في سفره[1]، وموقف عتّاب بن اسيد الذي سنشير إلى سرّه في هذا الفصل.
وإذن فقد كان الهوى المادّي مستولياً على جماعةٍ من الناس يومئذٍ.
ومن الواضح أنّ عليّاً كان يتمكّن من إشباع رغبتهم بما خلّفه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم من الخمس وغلّات أراضيه في المدينة وفدك التي كانت ذات نتاج عظيم كما عرفنا في الفصل السابق.
والطور الآخر من المقاومة التي كان عليّ مزوّداً بإمكانيّاتها ما لمّح إليه بقوله: «احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة»، وأعني بذلك أنّ الفكرة العامّة يومئذٍ التي أجمعت على تقديس أهل البيت والاعتراف لهم بالامتياز العظيم بقربهم من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كانت سنداً قويّاً للمعارضة.
وقد رأى الحزب الحاكم أنّ موقفه الماديّ حرِج جدّاً؛ لأنّ أطراف المملكة التي تجبى منها الأموال لا تخضع للحكم الجديد إلّاإذا استقرّت دعائمه في العاصمة، والمدينة بعد لم تخضع له خضوعاً إجماعياً.
ولئن كان أبو سفيان أو غير أبي سفيان قد باع صوته للحكومة، فمن الممكن أن يفسخ المعاملة إذا عرض عليه شخص آخر اتّفاقاً أكثر منها ربحاً، وهذا ما كان يستطيع عليّ أن يقوم به في كل حين. فيجب والحالة هذه أن تنتزع من عليّ الذي لم يكن مستعدّاً للمقابلة في تلك الساعة الأموال التي صارت مصدراً من مصادر الخطر على مصالح الحزب الحاكم ليضمن بقاء الأنصار على نصرتهم، وعدم قدرة المعارضين على إنشاء حزب من أصحاب المطامع والأهواء يومذاك.
[1] شرح نهج البلاغة 2: 44