هذه الأماني في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم؟ ألا من سمع فليقل، ومن شهد فليتكلّم، إنّما هو ثُعالةٌ شهيده ذنبه، مُرِبٌّ لكلّ فتنة [هو الذي يقول: كرّوها جَذَعةً بعدما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء][1]، كامِّ طحالٍ أحبّ أهلها إليها البغي. ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت، ولو قلت لبُحتُ، إنّي ساكت ما تركت، ثمّ التفت إلى الأنصار وقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحقّ من لزم عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم، ألا إنّي لست باسطاً يداً ولا لساناً على من لم يستحقّ ذلك»[2].
وهذا الكلام يكشف لنا عن جانبٍ من شخصيّة الخليفة، ويلقي ضوءاً على منازعة الزهراء له، والذي يهمّنا الآن ما يوضّحه من أمر هذه المنازعة وانطباعات الخليفة عنها، فإنّه فَهِم حقّ الفهم أنّ احتجاج الزهراء لم يكن حول الميراث أو النِحلة، وإنّما كان حرباً سياسيّةً كما نسمّيها اليوم، وتظلّماً لقرينها العظيم الذي شاء الخليفة وأصحابه أن يبعدوه عن المقام الطبيعي له في دنيا الإسلام، فلم يتكلّم إلّا عن عليٍّ فوصفه بأ نّه «ثعالة» وأ نّه «مُرِبٌّ لكلّ فتنةٍ»، وأ نّه كامِّ طِحال، وأنّ فاطمة ذنبه التابع له، ولم يذكر عن الميراث قليلًا أو كثيراً.
ولنلاحظ ما جاءت به الرواية في صحاح السُنّة من: أنّ عليّاً والعبّاس كانا يتنازعان في فدك في أيّام عمر بن الخطّاب، فكان عليّ يقول: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم جعلها في حياته لفاطمة، وكان العبّاس يأبى ذلك ويقول: هي ملك رسول اللَّه وأنا وارثه، ويتخاصمان إلى عمر، فيأبى أن يحكم بينهما، ويقول: أنتما أعرف بشأنكما، أمّا أنا فقد سلّمتها إليكما[3].
[1] ما بين المعقوفتين من المصدر
[2] شرح نهج البلاغة 16: 214- 215
[3] شرح نهج البلاغة 16: 221، صحيح البخاري 4: 97، معجم البلدان 4: 270- 271