الخليفة والصدّيقة معاً أمر غير ممكن؛ لأنّالأمر في منازعتهما لو كان مقتصراً على مطالبة الزهراء بفدك وامتناع الخليفة عن تسليمها لها؛ لعدم وجود مستمسكٍ شرعيٍّ يحكم بواسطته لها بما تدّعيه، وانتهاء المطالبة إلى هذا الحدّ لَوَسِعنا أن نقول: إنّ الزهراء طلبت حقّها في نفس الأمر والواقع، وإنّ الخليفة لمّا امتنع عن تسليمه لها لعدم تهيّؤ المدرك الشرعيّ الذي تثبت به الدعوى تركت مطالبتها؛ لأ نّها عرفت أ نّها لا تستحقّ فدك بحسب النظام القضائي وسننالشرع، ولكنّنا نعلم أنّ الخصومة بينهما أخذت أشكالًا مختلفة، حتّى بلغت مبلغ الاتّهام الصريح من الزهراء وأقسمت على المقاطعة[1].
وإذن فنحن بين اثنتين:
إحداهما: أن نعترف بأنّ الزهراء قد ادّعت بإصرارٍ ما ليس لها بحقٍّ في عرف القضاء الإسلامي والنظام الشرعي وإن كان مِلكها في واقع الأمر.
والاخرى: أن نلقي التبعة على الخليفة، ونقول: إنّه قد منعها حقّها الذي كان يجب عليه أن يعطيها إيّاه، أو يحكم لها بذلك، على فرقٍ علميٍّ بين التعبيرين يتّضح في بعض الفصول الآتية، فتنزيه الزهراء عن أن تطلب طلباً لا ترضى به حدود الشرع، والارتفاع بالخليفة عن أن يمنعها حقّها الذي تسخو به عليها تلك الحدود لا يجتمعان إلّاإذا توافق النقيضان.
ولنترك هذا إلى مناقشةٍ اخرى. فقد اعتبر الاستاذ حكم الخليفة في مسألة فدك أوضح بيّنةٍ ودليل على تزكيته وثباته على الحقّ، وعدم تعدّيه عن حدود الشريعة؛ لأنّه لو أعطى فدك لفاطمة لأرضاها بذلك وأرضى الصحابة برضاها.
ولنفترض معه أنّ حدود القانون الإسلامي هي التي كانت تفرض عليه أن يحكم
[1] راجع صحيح البخاري 3: 1374، وشرح نهج البلاغة 16: 214