بأنّ فدك صدقة، ولكن ماذا كان يمنعه عن أن ينزل للزهراء عن نصيبه ونصيب سائر الصحابة الذين صرّح الاستاذ بأ نّهم يرضون بذلك؟ أكان هذا محرّماً في عرف الدين أيضاً؟ أو أنّ أمراً ما أوحى إليه بأن لا يفعل ذلك؟ بل ماذا كان يمنعه عن تسليم فدكٍ للزهراء بعد أن أعطته وعداً قاطعاً بأن تصرف حاصلاتها في وجوه الخير والمصالح العامة؟
وأمّا ما استسخفه الكاتب من تعليلٍ لحكم الخليفة فسوف نعرف في هذا الفصل ما إذا كان سخيفاً حقّاً.
إذا عرفنا أنّ مرتكزات الناس ليست وحياً من السماء لا تقبلُ شكّاً ولا جدالًا، وأنّ درس مسائل السالفين ليس كفراً ولا زندقة، ولا تشكيكاً في أعلام النبوّة- كما كانوا يقولون- فلنا أن نتساءل عمّا بعث الصدّيقة إلى البدء بمنازعتها حول فدك على ذلك الوجه العنيف الذي لم يعرف أو لم يشأ أن يعرف هيبةً للسلطة المهيمنة، أو جلالًا للقوّة المتصرّفة، يعصم الحاكمين من لهيبها المتصاعد وشررها المتطاير، وبقي الحكم من إشعاعة نورٍ متأ لّقةٍ تلقي ضوءاً عليه، فتظهر للتأريخ حقيقته مجرّدةً عن كلّ ستار، بل كانت بداية المنازعة ومراحلها نذير ثورةٍ مكتسحة، أو ثورة بالفعل عندما اكتملت في شكلها الأخير ويومها الأخير، تحمل كلّ ما لهذا المفهوم من مقدّمات ونتائج، ولا تتعرّض لضعفٍ أو تردّد.
وما عساه أن يكون هدف السلطة الحاكمة، أو بالأحرى هدف الخليفة رضى الله عنه نفسه فيأن يقف مع الحوراء على طرفي الخطّ، أوَ لم يكن يخطر بباله أنّ خطّته هذه تفتح له باباً في التأريخ في تعداد أوّليّاته، ثمّ يذكر بينها خصومة أهل البيت؟! فهل كان راضياً بأوّليّته هذه مخلصاً لها حتّى يستبسل في امتناعه وموقفه السلبي، بل الإيجابي المعاكس، أو أ نّه كان منقاداً للقانون، وملتزماً بحرفيّته في موقفه هذا