الناس في أيام عثمان كانوا أقرب إلى الميوعة في الدين واللين والدعة منهم في أيام صاحبيه[1].
ونفهم من هذا أنّ الحاكمِين كانوا في ظرفٍ دقيقٍ لا يتّسع للتغيير والتبديل في اسُس السياسة ونقاطها الحسّاسة لو أرادوا إلى ذلك سبيلًا؛ لأنّهم تحت مراقبة النظر الإسلامي العامّ الذي كان مخلصاً كلّ الإخلاص لمبادئه، وجاعلًا لنفسه حقّ الإشراف على الحكم والحاكمِين؛ ولأ نّهم يتعرّضون لو فعلوا شيئاً من ذلك لمعارضةٍ خطرةٍ من الحزب الذي لم يكن يزال يؤمن بأنّ الحكم الإسلامي لا بدّ أن يكون مطبوعاً بطابعٍ محمّديٍّ خالص، وأنّ الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يطبعه بهذا الطابع المقدّس هو عليٌّ وارث رسول اللَّه ووصيّه ووليّ المؤمنين من بعده.
وأمّا الفتوحات الإسلامية فكان لها الصدارة في حوادث تلك الأيام، ولكنّنا جميعاً نعلم أيضاً أنّ ذلك لا يسجّل للحكومة القائمة في أيام الخليفتين- بلونها المعروف- مجداً في حساب التأريخ ما دام كلّ شأنٍ من شؤون الحرب ومعدّاته وأساليبه يتهيّأ بعملٍ أشبه ما يكون بالعمل الإجماعي من الامّة، الذي تعبّر به عن شخصيّتها الكاملة تعبيراً عملياً خالداً، ولا يعبّر عن شخصيّة الحاكم الذي لم يصل إليه من لهيب الحرب شرر، ولم يستقلَّ فيه برأي، ولم يتهيّأ له إلّا بأمرٍ ليس له فيه أدنى نصيب، فإنّ خليفة الوقت سواء كان وقت فتح الشام أو العراق ومصر لم يعلن بكلمة الحرب عن قوّة حكومته ومقدرة شخصه على أن يأخذ لهذه الكلمة اهبتها، بل أعلن عن قوّة الكلمة النبويّة التي كانت وعداً قاطعا
[1] المجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين، المجلد الرابع: 268